إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان بدقة تفصيلية وبحمكة عجيبة لم ولن يستوعبها عقل، فقال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ *خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ *يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}.. من يمكن أن يتخيل أعضائنا وأجهزتنا الجسدية هي مكونة من ماء وتراب فقط؟.
لو تأملنا بعمل جهاز واحد، جهازنا الهضمي وتتبعنا اللقمة التي تدخل من الفم كيف توصل لنا هذه الطاقة وتطرح الفضلات.. حيث نختار ألذ وأطيب الأطعمة ولو على حساب صحتنا فقط لإشباع شهوة الطعام ونعرض حياتنا أحياناً للخطر في سبيل أن يتمتع اللسان لبضع ثوان بطعم اللقمة..
تطحنها الأسنان ثم تقلبها المعدة فيستخلصها الكبد ويحول ما يمكن تحويله إلى طاقة تُسيرنا تساعدنا على أداء ما علينا من الواجبات كأفراد ثم يرسل ما تبقى إلى الكلى كي تؤدي ما عليها من الفلترة والتنظيف وتطرحهُ عن طريق المثانة.
هذا أبسط وصف لسير اللقمة داخل جسم الإنسان وبالنتيجة النهائية إنقسمت إلى (طاقة + فضلات).
فلـنتخيل أن الحياة هي جهاز هضمي والإنسان هو اللقمة في هذا الجهاز فإن أول ما يفتح الإنسان (عين إدراكه) ستحرك الحياة أسنانها لتطحنه وهذا الطحن هو الإبتلاءات التي تُصب على المؤمن صبا كما قال تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} وهنا يبدأ معدن الإيمان الحقيقي بالتكوين فكم من ابتلاء هو نعمة، هو أجر وثواب للمؤمن وخاصة نعمة المرض وليس (ابتلاء المرض) فالسقم هو نعمة مبطنة للإنسان.
عن رسول الله (ص) أنه قال: (يا علي، أنينُ المؤمن تسبيح، وصياحهُ تهليل، ونومه على الفراش عبادة، وتقلبهُ من جنب إلى جنب جهاد في سبيل الله، فإن عوفيَّ مشى في الناس وما عليه ذنب)*.
فالعلة هي مجازاة يأنس بها أهل الصفاء والهمم والضياء..
بعد أن طحنت الحياة الإنسان تنزله للمعدة وكما يبقى الطعام في المعدة من دقائق إلى ساعات حسب نوعية الطعام فإن الإنسان كذلك يبقى في دوامة هذا الإمتحان على حسب نوعية الإمتحان سواء كان هذا الإمتحان بل هذه النعمة في بدنه أو ماله أو والديه أم أولاده وغيرها من الأمور الكثيرة جداً تجعل الإنسان في محطة الإمتحان بعدها تُرسله المعدة للكبد فكما يُستخلص من الطعام الفائدة والطاقة ويفصل الفضلات كي يطرحها، فإن الإمتحان الذي يكون فيه الإنسان تتجلى حكمته في حكمة كرم الخالق وعطفه وحنانه على خلقه.
فإن كان صابراً يجازيه جزاءً كثيراً وإن لم يكن صابراً فالله أعظم من أن يختبر عباده دون أن يكافئهم حتى وإن رسبوا في الإمتحان فرحمة الله أوسع من كل شيء وهي أشبه بغسيل ذنوب كما تفعل الكلى بالطعام الذي لا يُهضم فـ تطرحهُ بعدة أشكال، كذلك الإنسان تقوم نعمة البلاء بفلترة شاملة لذنوبه وآثامه فلو يعلم ما يغفر الله له من ذنوب لطلب الاستزادة من نعمة البلاء..
ففلسفة الاختبارات الإلهية تربية الإنسان وتنمية قابلياته الكامنة وتفتّحها كما أنها استزادة لصبره وصقل لمعدن إيمانه وفرصة ليقوي علاقته بالله تعالى، لأن لكل بلاء آثاره التربوية والايجابية ووجوده ضروري لتكامل الإنسان روحياً فالابتلاءات هي رحمة لعباده المؤمنين وسوط يؤدب به عباده الذي يتبعون الهوى ويغلبهم الشيطان باتباع المعاصي.
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: الجنة محفوفة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة. وجهنم محفوفة باللذات والشهوات، فمن أعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار.
فاصبروا ولقنوا أنفسكم على الصبر تؤجروا فالمؤمن إن نابته نائبة صبر لها، وإن تداكت عليه المصائب لم تكسره ولن يهتز إيمانه لها.
اضافةتعليق
التعليقات