في عهدة الظل، أنقاض ذنوب قد أثقلت كاهل المسير واعتلت فصول الوتر عند شمس البركة، شهر رمضان..
ربما، كان الرجاء كف قد أيقظها، أزيز دعاء طلبا للعتق، وميزان يحتاج إلى أثير صلاة، ليتسامى قصرا وخليل.. على سجادة الترتيل كان التنزيل، بضع سور يرددها الضمير ليكون القرب والاقتراب، نور في صدور الذين آمنوا..
كم كانت لحظات الصمت عند صيام الجوارح نعمة وافرة، وتجليات الروح عند عتبة الذكر القابع فم الخضوع راجيا الرحمة والغفران ناظرا عتقا غفير..
في شهر الرحمة، تجول الخواطر اليومية، وتعزز مواقفها عند كل محطة يذكر فيها تأويل..
تقترب النهضة شوقا، لتعانق سورة النساء، وتؤكدها الناس في سورة الختام ليتم تواصلها الأنيق، حتى مد الظل إلى سويعات وينتهي شوط الختم ب همهمة طلبا للإجابة وقضاء الحوائج، واقتناء تاج القرينة والقلم..
إنه يراع الحلم، أن يكون الإهداء على مد نظر.. حقا إنها لحظات، يشهدها عمق الروح، ويزيدها تفاؤلا، وتقر الأعين، لتواكب النور في آيات الذكر الحكيم..
ها هي رحلة الصلاة، على تل الرحيل.. لتجدد لنفسها عهدا وشوطا آخر، ولباسهم فيها حرير.. تحاكي النفس، وترفع من همتها، وتسأل.. أي الركعات حوتني لترقى بي سلم الجنان.
أي دعاء.. قد بكت حروفه على عقد اللسان، وسكون العين، وكذب اللحظة، وقسما قد نسى غمه وترك وتهاون، وأي شكوى فضحت مخالج الروح..
وأي قوام اعتاد له جسد السجود إبان تعفيره؟! كثيرة تلك المساوئ، ومتعرجة تلك العثرات، أغرقت صاحبها بحر الظنين.. أيمسكها على هون أم يدسها في التراب، ساء مايحكمون.
في شهر رمضان الكريم، أكد التقرير، واوثقه التصميم هجرة الذنوب، وفتح القلوب، وخاتم وسجادة وتسبيح دقيق.. أن تكون الكلمة غير مخرمة ب يأس، سنة مختلفة تعيش الأمل والدعة وتفويض النفس سلاحا من حديد، هل تعلم القلم كيف يكون خنجرا ، لشق طريق الخير وطلاق شر الهجير؟!. نحاول أن نكون ذلك.
ها قد أشرف شهر البركة والرحمة على نهايته، وكانت حقيبة الادخار مليئة، بحصيلة الأعمال المختلفة.. حتى أن الكلمة جمعت الكتاب وأهدته قبلة وثيرة، غادرت كل ألم، وسقت العقل جنة غدير.
عن الصادق عليه السلام قال:
(من ختم صيامه. بقول صالح أو عمل صالح تقبل الله منه صيامه, فقيل له: يابن رسول الله ما القول الصالح؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله.. والعمل الصالح اخراج الفطرة.) ١
في جدول اللحظات، تعدد العطاء ورسم لنفسه خارطة جديدة مختلفة، منها مجموعة انسان، وأخرى منبر دمعة لا تغادر القيام.
لعل البعض لم يحقق مبتغاه في هذا الشهر غير الجوع والعطش، ووسادة خالدة، فاكتفى بالاتباع لا الاتساع، وتجاوز حد البطون فكان أفيونا عامرا بأنواع الملذات وسباقا ساهرا على فرط المادة وقوامها.. سجية يزاولها ذوي الاعتياد الروتيني المفرط..
وبعض آخر، اتسعت قدراته، وجعل الحضور روضة من رياض الذكر، تحضره الملائكة، وتبارك فيه نفحات الأولياء، وتلقى فيه الكلمة احتراما عميقا، تغور قلب المستمع، وتشهق نفسه حين ذكر آل محمد، فتجوب الدمعة مقلتيه، والبسمة شفتيه، والفرحة وجنتيه.. ولا يلقاها إلا الذين صبروا وذو حظ عظيم.
عن الامام الصادق عليه السلام قوله، عن النفس المطمئنة حال حضورها. قال:
(لا راحة للمؤمن على الحقيقية إلا عند لقاء الله، وماسوى ذلك ففي أربعة أشياء؛ صمت تعرف حال قلبك، ونفسك فيما بينك وبين ربك، وخلوة تنجو بها من آفات الزمان ظاهرا أو باطنا، وجوع تميت به الشهوات والوسواس، وسهر تنور به قلبك، وتنفي به طبعك وتزكي به روحك) ٢.
في نهاية المطاف، يتمنى المؤمن الصائم عرضا ممهورا ب رضا الله، ورحمة ومغفرة وعتقا مفروضا من رب جليل، إلا أن العمل رهين الاكتساب، وحفظ الوديعة شوطا ليس سهلا، لابد من مراعاة العهد، وضبط النفس، واتقان الرهان حتى آخر صوت للآذان.. إنه أرحم الراحمين.
اضافةتعليق
التعليقات