بادرتُ بالحديث وأنا جالسة بين زميلاتي في العمل الى تذكيرهنٌ بزكاة الفطرة وبكونها واجبة وعلى أن تخرج قبل صلاة العيد ولمن سيعطين الفطرة؛ لجار أم لأيتام ومقدار الفطرة التي يجب علينا اخراجها، ففأجاتني احدى الزميلات بدموعها التي انهالت وكأنه سيل منهمر بدأ بقلع كل ما يقف عائقا بينه وبين تقدمه فأحتضنتها مستغربة: لم.. لم؟ هذه الدموع المملوءة ألماً وحزنا فنظرت إليَّ مبتسمة لتخفف من حدة انفعالاتها التي لم تستطع كبح جماحها..
فبدأت تهمس لي سرا بيني وبينها مستطرقة وبنبرات مرتجفة: لزكاة الفطرة ذكرى قابعة في ذاكرتي، ففي عهد طفولتي كانت أمي أرملة وهي المسؤولة الوحيدة التي تحملت اعباء المعيشة وكانت تلك الفترة من اسوأ مراحل حياتي، حين أرى وجه امي مصفرا وتفكيرها شاردا حائرة كيف توفر لنا لقمة العيش..
وكانت ايام العيد قد دنت ونحن لا نملك فلسا واحدا وببراءة بدأنا نثقل كاهلها بطلبات العيد وبأصوات مرتفعة؛ اريد ثوبا كثوب زينب ابنة خالي.. واحمد اخي الصغير يردد؛ اريد... اريد ملابس انيقة ونقودا كثيرة لأذهب مع اولاد محلتنا الى كرنفال الألعاب الذي سيقام في محلتنا كي ألعب واشتري حلوى كثيرة..
أما اختي الصغيرة فكانت أرحم حالا بأمي واكتفت بقولها: امي اريد بيضة صباحا... فأنا احب البيض، فأطرقت امي رأسها قائلة لنا: (للغد رزق يكتبه لنا رب العباد) ودخلت غرفتها ودموعها تذرف وآهات حرقت فؤادي تلك الليلة (ليلة العيد) فبقيتُ الليل كله ابكي في فراشي كمدا لما تعانيه امي محدثة نفسي صباحا فسأقول لها: لا أريد شيئا.. ولكن هذا لا يخفف عذابات أمي وما الوسيلة التي سيرزقنا الله بها لقمة عيشنا وأنا طفلة ضعيفة لاحول ولاقوة لي..
وما إن أصبحنا في منتصف الليل إلا وسمعنا دقات خفيفة تطرق بابنا، ففزعت امي وجلة الى الباب تتساءل من الطارق في هذا الليل المظلم، وبخطوات مترددة نادت من خلف الباب من الطارق؟ فأجابها صوت امرأة كبيرة بالسن ونبرات صوتها متقطعة متعبة: هذه انا ام حمودي جارتكِ افتحي الباب لي سأسقط على الأرض فما عادت قدماي تستطيع الوقوف..
فأسرعت أمي ففتحت الباب واذا بيد جارتنا مبلغ من المال وضعته بيد أمي قائلة لها: خذي نصيبك ونصيب اطفالك من زكاة الفطر لتشتري منه ما تحتاجين وأتيت به ليلا لكي لا تخجل عيناكِ مني فأنتِ امرأة حرة، فأشرق وجه امي واحست بعظمة الخالق فيما فرض وقسم لعباده من الحقوق والواجبات كما ورد في قوله تعالى: (قد أفلح من تزكى) ويراد منه دفع زكاة الفطرة، ووقتها قبل صلاة العيد لتطهير نفوس الصائمين من اللغو والرفث وفرحة تدخل الى قلوب المساكين ليكتمل عيدهم بإحسان وتكافل اجتماعي بين طبقات المجتمع.
وفي ظل مجتمع إسلامي يحمي القوي الضعيف ويساعد الغني الفقير لنكون أمة موحدة وقوية بإيمانها بكل ماشرع الله سبحانه وتعالى.
اضافةتعليق
التعليقات