يقضي كل رائد في مجال الأعمال الكثيرَ من الوقت في توصيل الرسائل، سواء أكان الأمر يتعلق بقيادة اجتماع فريق، أو عرض عميل أو إلقاء خطاب رئيسي في حدث، ناهيك عن التحدث في المناسبات بطريقة رائعة مما يعزز مكانة الشخص كخبير متفهم ومدرك لعمله.. ومع ذلك فإن التحدث أمام الجمهور - كعرض بحث دراسي مثلا هو أحد أكبر مخاوف معظم الشباب، وهو فن بقدر ما هو علم.
ومعرفة ما هو فن الإلقاء، لا بُدّ من تعريف هذا الفن بشكلٍ مبسط وعام، فمجرد حدوث محادثة بين شخصين أو أكثر يًعدّ هذا نوعًا من الإلقاء، أما ما هو تعريف فن الإلقاء بشكلٍ خاص، فهو نوعُ من المحادثات التي تجري بين شخصين فأكثر، ويوجد منه عدّة أنواع وهي: الإلقاء الفردي، الذي يكون بين شخصين فقط، والإلقاء لمجموعة صغيرة من الناس مثل: إلقاء الدروس في المدارس والمساجد والجامعات، والإلقاء لمجموعة كبيرة من الناس مثل: المحاضرات العامة وخُطب المساجد، وأهم ما يُعنى به فن الإلقاء والغاية من معرفة ما هو فن الإلقاء هو الإلقاء المنظم الذي يكون أمام مجموعة كبيرة من الناس، لما لهذا النوع من الإلقاء من دور كبير ففي التأثير في المتلقين.
وقبل أن نخوض معاً في أبرز أسرار فن الإلقاء والخطابة سنحدد أبرز المصاعب التي تواجهنا أمام الجمهور:
الخوف من الجمهور:
إن الخوف من الجمهور من أكثر المشاعر الطبيعية التي تنتاب الخطيب، ولا نبالغ إذا قلنا أن التخلص من التوتر والارتباك والخوف بمواجهة الجمهور أمر شبه مستحيل، لكن الخبرة التي يمكن أن تكتسبها هي السيطرة على الخوف من الجمهور، حتى أكثر المشاهير جرأة ينتابهم الرعب في اللحظات الأولى على المسرح أو المنصة!.
التلعثم بالكلام:
من أبرز المصاعب التي نواجهها عندما نعتلي منبراً أو نقف أمام مجموعة كبيرة هي التلعثم بالكلام، فهناك رؤساء دول ورؤساء حكومات فقدوا هيبتهم نتيجة ارتباكهم أثناء إلقاء الخطابات وتكرارهم للكلمة الواحدة عدة مرات محاولين إصلاح نطقها دون جدوى، حتى صاروا موضوعاً للسخرية والتندر.
نسيان المعلومات:
قبل الخطاب أو العرض وفي مرحلة التحضير تكون قد جمعت الكثير من المعلومات معتقداً أنها راسخة بذهنك، بل يمكن أن يكون موضوع الخطاب أو العرض عن شيء أنت الذي ابتكرته لا أحد يمتلك عنه معلومات أكثر منك، لكن على الرغم من ذلك ستجد نفسك نسيت كل شيء.
المواقف المحرجة:
البعض يصعد إلى المنبر أو المنصة ويقوم بأداء خطاب جيد إن لم نقل ممتاز، ويكون متمكِّناً بشكل ملفت من الإلقاء ومسيطراً على صوته وتنفسه، لكنه ما أن يتغير شيء ما بشكل مفاجئ حتى يفقد اتزانه، فإن قاطعه أحد من الجمهور تجده ارتبك ولم يعد قادراً على التفكير، أو إن تعطل الميكروفون، باختصار أي تغيير في الخطة سيهدم التوازن كله!.
عدم الانتباه أو عدم الاهتمام:
من المشاكل الكبرى التي يواجهها الخطباء في الإلقاء هو عدم قدرتهم على جذب اهتمام الجمهور، فتجد الرجل يقف على المنصة ويقول ما يريد قوله فيما يعبث الجمهور بهواتفهم النقالة أو يتحدثون مع بعضهم، وفي بعض الأحيان قد يؤدي ملل البعض إلى انسحابهم، وقد تجد بعض النائمين على الكراسي!.
الإلقاء والخطابة من المواهب التي تميِّز أفراداً بعينهم دون غيرهم، لا بد أن معظمنا يتذكر ذلك الطفل في المدرسة التي يمتلك قدرة على الإلقاء والوقوف أمام التلاميذ والمدرسين بشجاعة منقطعة النظير، لا بد أن معظمنا تفتنه الشخصية الشجاعة في الحديث أمام الجماعات.
لكن ماذا إن فرضت عليك ظروف العمل أو الدراسة أن تقف أمام الجمهور وأنت لا تمتلك هذه الموهبة؟، هل من الممكن أن تتعلم أسرار فن الخطابة والإلقاء حتى وإن لم تملك هذه الموهبة منذ الصغر؟.
الإجابة هي نعم، فعلى الرغم من صعوبة الوقوف أمام الجمهور إلا أن الإلقاء والخطابة من أساليب التواصل التي يمكن تعلّمها وإتقانها بسرعة، خاصة إذا كان المتعلم مثابراً ويرغب حقاً بالوصول إلى هدفه بتقديم خطاب جيد أو عرض تقديمي مميز.
هل شاهدت فيلم "خطاب الملك" الذي يتحدث عن ملك بريطانيا العظمى في الحرب العالمية الثانية، والذي كان يعاني من التلعثم وصعوبات النطق، لكنه تمكن بمساعدة رجل متخصص بفن الخطابة من تجاوز تلك الصعوبات، ننصحك بمشاهدته، ونحن بدورنا سنقدم لك أهم ما يجب التفكير به قبل وأثناء مواجهة الجمهور.
عناصر الالقاء الناجح:
المصدر: وهو الشخص الملقي الذي يجب أن يكون ملمًا بقواعد الإلقاء، وقادرًا على مواجهة المستمعين بقدرة كبيرة.
المستقبل: وهو المستمع، ويجب أن يكون الإلقاء متوافقًا مع عمره ومستواه العلمي والثقافي والعادات والتقاليد وغير ذلك.
الرسالة: يقصد بها موضوع الإلقاء والأسلوب المعتمد له، بحيث يجب أن يكون مناسبًا للمستمعين ومن ضمن اهتماماتهم.
القناة: يُقصد بها أساليب الإلقاء والطريقة التي يُلقى بها، إذ من الممكن أن يكون إلقاءً كالخطاب أو ضمن حلقة نقاشية.
الاستجابة: وهي مدى استفادة جمهور المستمعين من موضوع الإلقاء، ومدى تأثرهم به واهتمامهم بموضوعه.
المؤثرات: وهي المؤثرات الخارجية مثل المكان والإضاءة ودرجة الحرارة والضوضاء من عدمها وغير ذلك.
مهارات الإلقاء المؤثر:
كي يكون الإلقاء مؤثّرًا، يحب أن يكون الملقي على دراية تامّة ومعرفة بما هو فن الإلقاء وكل ما يتعلق به من أسس وقواعد، إذ إنّ الهدف الأساسي من الإلقاء هو الوصول إلى عقول الناس وأفكارهم وإقناعهم بموضوع الإلقاء، وأهم عناصر الإلقاء المؤثر ما يأتي:
إحلاص النية لله: يجب أن تكون النيّة سليمة وخالصة لله تعالى كي يكون الإلقاء مقنعًا.
اتباع هدي النبي -عليه السلام-: يكون هذا بمعرفة أساليب الرسول -عليه السلام- في الإلقاء والدعوة، لأنه نشر دين الإسلام بأسلوبٍ رائع ومقنع، وهو خير من يُتبع.
اختيار القدوة الصحيحة: عند الإلقاء يجب اختيار القدوة الصحيحة كي يكون الإلقاء مؤثرًا ومقنعًا، والاستناد إلى المعلومات الدقيقة، ومن الأفضل الإلقاء باللغة الفصحى وتجنب اللهجات الدارجة.
اختيار التوقيت المناسب: اختيار التوقيت المناسب مهم جدًا للتأثير على الجمهور، كما يجب عدم الإطالة ومراعاة الظروف والأحوال، حتى لا يُصاب الجمهور بالملل.
اختيار الوسائل المناسبة: تكون باختيار جميع الطرق والوسائل اللازمة لإيصال الفكرة بشكل سريع.
تنويع الأساليب المتبعة: من الأمثلة عليها ضرب الأمثال وسرد القصص والأسئلة.
مراعاة حاجة الجمهور: كي يكون الإلقاء مؤثرًا، يجب أن يكون الموضوع متمحورًا حسب ما يُريده الجمهور.
مشاركة الجمهور النقاش: يكون هذا بإلقاء الأسئلة على الجمهور وتلقيها منهم. تعزيز التحفيز والفهم: يكون ذلك بالتكرار وتقديم الحوافز المادية والمعنوية.
التعليم بالتطبيق العملي: يكون بالاعتماد على تقديم المعلومة عمليًا إن لزم الأمر، وعدم الاكتفاء بها نظرًا.
التمتع بروح القيادة: يكون هذا بالسيطرة على المستمعين والإمساك الجيد بزمام المحاضرة.
وفي النهاية تعتبر لغة الجسد مهمة جدًا أثناء الإلقاء؛ لأنها تُسهم في إيصال الفكرة بالشكل المناسب أو العكس، فالمُلقي المتحكم بطريقة إلقائه ولغة جسده يستطيع أن يُقنع الناس بما يُريد، بشرط أن يكون ملمًّا بلغة الجسد ويعرف ما هو فن الإلقاء، وأهم ما يجب معرفته حول لغة الجسد والإلقاء هو عدم توجيه النظر باتجاه زاوية واحد فقط، بل يجب توزيع النظرات على كافة الحضور بالتساوي قدر الإمكان، كي يشعر جميع الحضور بأهميتهم، وأن الخطاب موجه لهم جميعًا، وهذا يزيد من تفاعلهم، والحفاظ على ثبات الجسد، والتقليل من حركة اليدين، واستخدام نغمة الصوت المناسبة، إذ إنّ لنغمة الصوت تأثير كبير في إيصال المعلومة للناس وعدم شعورهم بالملل، وتُساعد في إدخال المعلومة للعقل بكلماتٍ قليلة ومختصرة، ودون الحاجة للكثير من الكلام.
اضافةتعليق
التعليقات