منذ القرن الماضي بدأ عصر ما بعد الموحدين يزايل العالم الإسلامي لكن هذا العالم لم يستعد بعد إطاره الطبيعي فلقد انطلق كفارس أفلت الركاب من قدميه ولم يوفق بعد لأحكامه لذا فهو يبحث عن توازنه الجديد فانحلاله عبر القرون الذي قضى عليه: بالجمود والخمول والضعف والقابلية للاستعمار قد حفظ له مع ذلك قيمته ولو في شيء من التحجر..
ولقد أطل في حالته هذه على القرن العشرين وهو في ذروة قوته المادية بينما سائر قواه الأخلاقية قد بدأت تنهار منذ نهاية الحرب العالمية الأولى فالعالم الإسلامي اليوم تتقاذفه أفكار متناقضة: الأفكار التي تضعه وجهاً لوجه مع مشكلات الحضارة التقنية دون أن تُؤَصل نماذجه السلفية رغم جهود مصلحية مشكورة ..
ناقش نادى أصدقاء الكتاب في إجتماعه الشهري كتاب (مشكلة الأفكار) للكاتب الجزائري مالك بن نبي..
الكتاب يحاول تبيين الصعوبات التي يتخبط فيها المجتمع الإسلامي في مواجهة مشاكله الحاضرة حيث يرى الكاتب مالك بن نبي أن مشكلة الأمة الإسلامية هي مشكلة أفكار وأنَّ العالم الاسلامي يواجه مشكلة أفكار لا مشكلة وسائل ..
وفي طريقة بحثه يبين الكاتب أن مشكلة الأفكار في العالم الأسلامي تُوضع تحت ثلاثة مقاييس وهي:
١- الأفكار.
٢- الأشخاص.
٣- الأشياء.
ومن خلالها بدأ دراسة عميقة لعالم الأفكار ففي فصوله الأولى يبدأ بموقف الإنسان في عزلته عندما ينتابه شعور الفراغ وطريقته في ملء هذا الفراغ وهنا يوضح الفرق بين العالم الإسلامي والعالم الغربي ويعقد مقارنة بين الأولويات في العوامل الثلاثة (الأفكار، الأشخاص، والأشياء) ومدى تأثر كل منهم بالعوامل الثلاثة (الأفكار، الأشخاص، الأشياء) ثم يطرح بعد ذلك قضية التعامل مع الأفكار عند الطفل وتدرجه في العوالم الثلاثة (الأشياء - الأشخاص - الأفكار).
ثم بعده ذلك يتحدث عن المجتمع والأفكار والمراحل التي يمر بها المجتمع التاريخي (ماقبل التحضر - التحضر - مابعد التحضر)..
ثم ينتقل إلى الحضارة وعلاقتها بالأفكار ثم يتناول أطوار الحضارة (مرحلة الروح- مرحلة العقل- مرحلة الغريزة).
وكيف أن سر نجاح أي حضارة في الأساس هو أنها تتمحور حول عالم الأفكار لا الأشخاص والأشياء وبل وتُسخر هذه العوالم لخدمة وترقية عالم الأفكار..
وبعد ذلك يسترسل الكاتب في الفصول المتتالية في عالم الأفكار بـ إسهاب يُنبيء عن قدرته وتمكنه فالأفكار عند مالك بن نبي لها مسميات عدة نحتها ووضَّح معانيها فتجد منها الأفكار المطبوعة والأفكار الموضوعة والأفكار الأصيلة والأفكار الفعالة وفي الختام تجد الأفكار الميتة والأفكار المميتة وينوه ختاماً بإنتقام الأفكار ممن خانها وخذلها..
وكذلك تجده يناقش الصراع بين الفكرة والتمحور حول شخص (وثن) أو شيء آخر وهذا الصراع هو السبب خلف كثير من أحوالنا اليوم ففي أحد فصوله: (الأفكار والاطراد الثوري) ترى فيه كيف أن طغيان عالم الأشياء أو الأشخاص على حساب عالم الأفكار هو سبب الخلل القائم في كثير من مجالات حياتنا اليومية وآثار طغيان عالم الأشخاص والأشياء على عالم الأفكار يبرزها لنا مالك بن نبي بجلاء فها نحن لا نتعلم من أخطاء الماضي بل ولغفلتنا لما كتبه السابقين لنا لأصل المشكلة وحلها.
فنحن عدنا لعصر الجاهلية قبل الإسلام والخلل الواقع في تعاملنا مع الأفكار.. فـ أفكارنا صارت إما ميتة أو مميتة نستوردها من الغرب (ميتة) ونظن أنها ستحيينا ولكنها لا تلبث أن تكون مميتة.. "لا يغير الله مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
ختاماً أفكارنا الإسلامية أصيلة لا تحتاج منا إلا أن نُفعَّلها وننطلق بها فنحن لا نستطيع أن نصنع التاريخ من جديد بتقليد الآخرين ..
وجدير بالذكر أنَّ نادي أصدقاء الكتاب أسسته جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية والذي يهدف إلى تشجيع القراءة والمطالعة عبر غرس حب الكتاب وفائدته في المجتمع.
اضافةتعليق
التعليقات