(الدَبر ما جاع والرَقع ما عرى) مقولة قديمة أشبه بقانون اقتصادي اعتمدنها نساء القرن الماضي للحث على الإقتصاد في النفقة عندما كان الدخل محدوداً والأعمال شاقة.
ويقع على عاتق المرأة الكثير من مسؤوليات التدبير كالخياطة والتطريز والطبخ وتجهيز المؤونة، بحكم أن المرأة أكثر دراية باحتياجات البيت من الرجل، فتتحمل المسؤولية الأولى في إدارة المنزل وتوفير الاحتياجات اللازمة..
كما أن كل شيء تغير؛ تغيرت القناعات والثقافات في ظل التطور والحداثة التي تستهوي كثير من النساء، ووجود بعض مظاهر الترف أصبح النهم الشرائي بمثابة الثقافة السائدة التي جرفت القادرين وغير القادرين لمسايرة هذه الثقافة، وكان للدعاية والإعلانات التجارية دورا كبيرا في جذب المرأة، بحكم أن المرأة تحب التغيير وتهوى الجمال، كما أنها عاطفية تتفاعل مع الأشياء بعاطفتها، تذهب المرأة لشراء شيء محدد من المتجر، ثم تشتري المزيد، لأنها تتفاعل مع كثير من السلع الموجودة أمامها.
كما يمثل التسوق للكثير من النساء متنفساً لضغوط الحياة، ففي حال واجهت إحداهن يوماً عصيباً في العمل قد تلجأ إلى التسوق عوضاً عن الاستسلام للحزن واليأس.
وقد مثل التسوق لدى المرأة الاحساس بالحرية أيضا بحسب علماء النفس، فبعد أن كانت المرأة منتجة مساهمة في التوفير وترتيب الأولويات في الإنفاق يرى بعضهم أن المرأة أصبحت مستهلكة!
في ظل الترويج الإعلاني المتقدم الذي يفقد المرأة كثيرًا من حصون المقاومة من قبل الشركات، من خلال تصاميم ودزاينات وكلكشنات حديثة تسحر العقول بآخر الصيحات ثم عرضها للدعاية على شاشات التلفزة وعبر الانترنت والمجلات وغيرها بطرق حديثة مبتكرة.
وقد ذكرت دراسة أجرتها بولي يونغ إيسينراثاث، أستاذة الطب النفسي في جامعة فيرمونت الأميركية؛ أن الإعلانات التجارية لها دور كبير في تشجيع النساء على شراء الكثير من الأغراض التي لا يحتجن إليها، وأن الطريقة التي ترتكز عليها الإعلانات التجارية هي منح المرأة شعوراً بأن التسوق يعزز من قوتها وكيانها الخاص.
إذ ارتكزت الإعلانات التي أنشأتها الشركات التجارية على أن التسوق يعطي للمرأة الفرصة في المشاركة بالأنشطة الاقتصادية الهامة.
فالتسوق ليس مجرد شراء أشياء، ولكنه قوة اتخاذ القرار وتحمل مسؤولية ذلك القرار، ما جعل المرأة تشعر بالسعادة حين تدخل أحد المتاجر وتسأل عما تريد فتشعر بأهمية إرادتها الخاصة، وعلى مدار العقد الماضي، شهد التسوق لدى النساء تحولاً جذرياً، واستمرت الإعلانات التجارية تعامل المرأة بالطريقة نفسها، ما شجع المرأة على الذهاب بشكلٍ متكرر إلى المتاجر وشراء المزيد والمزيد من الأغراض.
أسباب شغف المرأة بالتسوق؟
الانفتاح على الثقافات الأخرى، اختراع كذبة الموضة، تطور السوق، سهولة التبضع والسلع المعروضة، تنافس الشركات بعروض مغرية، الدعاية والإعلان، التسوق عبر الانترنت (اون لاين) كل هذه أسباب شجعت المرأة على الإسراف.
ولم تعد تقتصر على المأكل الذي تعددت أصنافه وألوانه وأماكن تناوله وطرقها،
ولم تعد تقتصر على الألبسة التي تعددت ألوانها وأماكن لبسها، بل حتى الهاتف النقال وسيارتها الخاصة وأثاث المنزل والمصوغات الذهبية وإلى آخره.. تحاكي الموضة وتواكب الحداثة، ما جعلها مستهلكة.
لذلك كانت الحاجة الماسَّة إلى أن تتعلم المرأة كيف تضبط نفسها أمام إغراءات العروض التجارية التي تجذبها، وكيف ترشد طلباتها وفق الإمكانات المتاحة، وكيف تكون ذات ثقافة وسطية في اختياراتها ولا تقع فريسة للنهم الشرائي بداعٍ وبدونه، ما يمثل ضغطاً رهيبًا على إمكانات أغلبية الرجال، وضعفا لميزانيتهم الخاصة.
فإن شراء ما لا يلزم يدخل ضمن اطار الاسراف، لذا تقليل نسبة المشتريات من خلال ترويض النفس للقناعة بحسب الاستطاعة والامكانية المتاحة هو الحل الأمثل لبناء مجتمع يعيش مستوى معاشي متوازن، قال تعالى في كتابه العزيز: "والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما".
خصوصا وأن المرأة بإمكانها أن تلعب دورا هاما في الإقتصاد بأقل الإمكانات من خلال التدبير والاقتصاد في المعيشة ومتطلبات الحياة، جاء في الحديث عن الإمام علي عليه السلام: (صلاح العيش التدبير).
فعلى المرأة أن تتخذ أسلوب اقتصار الإنفاق على ضروريات الحياة في ظل الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي يمر بها العالم، وتتخذ من نساء الجيل السابق، من الأمهات والجدات اللاتي كان لهن الدور البطولي في الإدارة الاقتصادية بأقل الإمكانات المتاحة في كثير من الأزمات لا سيما في سنوات الحصار قدوة لنا.
اضافةتعليق
التعليقات