ورد في حديث الامام علي "من أحسن الاستماع تعجل الانتفاع".
الاصغاء للطرف الآخر فن يهمله نوع من الناس، فهؤلاء لا يهمهم ما يقول الطرف الآخر بقدر ما يهمهم أن يكونوا هم المتكلمين، والماسكين بدفة الحديث والحوار، وإن كان الشخص مسترسلاً في الحديث بل يهمهم أن يقاطعوه ويبتروا حبل أفكاره.
وهذه المشكلة موجودة في مجتمعاتنا فثقافة الاصغاء وفن المحاورة مفقودة، فقد يصادف أن تحضر مجلساً أو مؤتمراً أو حتى على سبيل العائلة وجلساتها، تجد هناك أكثر من متحدث، ويبدي الرأي والتعليقات من أكثر من شخص في نفس اللحظة، ويتحول المجلس إلى مقاطعات كلامية وفوضى في الحديث لا تعرف أين وصل قطار الحديث.
وهذه موجودة حتى في صفوف المثقفين في جلساتهم الحوارية وندواتهم الثقافية، حتى تجد الأصوات ترتفع، ومن الأمور الجيدة في صناعة وتنمية العلاقات الاجتماعية مع الناس تعلم فن الاصغاء للأخرين واحترام آرائهم، ووجهات نظرهم، حتى لو كانت تختلف مع وجهات نظرنا، فهذه الطريقة تعتبر مفتاح الدخول إلى قلوبهم وكسب ودهم، أما إذا كان الاختلاف البغض والكراهية، قد يشعر الطرف الآخر بعدم الاحترام، وتنخدش المشاعر وقد تأخذ جانبا آخرا، وهذا ما نشاهده اليوم في ساحات الفكر وعرض الآراء فتجد الصراعات قائمة وقد يتحول إلى صراعات دموية وخصوصا في تلك المناقشات والحوارات التي لا يكون فيها مجال للرأي الآخر.
إذا كان الموضوع سياسي ستصبح عميلا لجارة البلد لمجرد رأي، وإن كان دينيا فيصبح الاتهام والقول أنك كافر، ولا تنتمي لهذه الشريعة الاسلامية، وإن تعمق الحوار ستكون طائفياً، فكيف يمكن تجنب هذه المشاحنات وحتى لا تخسر الطرف الاخر يمكنك بدأ الحديث بكلمات لطيفة من دون التعصب والرد الجارح، فتقول مع احترامي وتقديري للمخلصين من أمثالك إذا كان الحوار سياسي وطني، وفي حال كان ديني أنا سمعت هذه الآراء من قبل ولكنها يا عزيزي ومع الاحترام لأفكارك ووجهات نظرك أن تذكر لنا نقاط الايجابية في الموضوع، لأننا سنصل في النهاية إلى نقاط السلبية معاً، بهذه الكلمات توضح رأيك بشكل هادئ ومفعم بالحب والاخلاص، وستجد المقابل يخفض صوته، ويتبادل معك الحوار بكل حب واحترام.
* عندما نتحدث إلى إنسان بسيط أمي فحتى ندخل إلى فهمه ومستواه لا بد وأن نتكلم بالأسلوب الذي يفهمه ويستمتع به وبالتالي نتمكن من أن نؤثر به ونوصله إلى طريق مفتوح للتفاهم فإذا تحدثنا إليه بألفـــاظ رنانة أو اصطلاحات من تلك التي يستخدمها المثقفون أو الاختصاصيون فإن ذلك سيمنع من التواصل الجيد لأننا نكون قد وضعنا بيننا وبينه حواجز كبيرة في المستويين وبالتالي نحول دون الوصول إلى نتائج مرضية لأن طرفي الحديث أصبحا في عالمين مختلفين تماماً.
* المدير الذي يتحاور مع عماله وموظفيه حول موضوع أو يحاول معالجة أزمة أو تصحيح فكرة لا شك أن فاصلة المواقع والأدوار يمكن أن تجعل فواصل نفسية تحدد من مستوى العلاقات إلا أن المدير الناجح يمكنه أن يخفف من التباعد الكبير بينه وبينهم إذا دخل إلى عوالمهم فمثلاً..
*ربما يجد من المناسب أن يلتقي معهم في بيته ويواصل الحديث وهو في ملابسه البيتية..
* وربما يقبل ضيافتهم البسيطة على فنجان قهوة أو شاي في كازينو وربما يخرج معهم في جولة سياحية..
*وربما يأكل طعاماً شعبياً لم يتعوّد العمال والموظفون أن يروه على هذه الحالة.
* وإذا ابتعد عن الأسلوب الخطابي واجتنب الألفاظ ولغة القرارات ليستعمل بدلاً منها كلمات بسيطة وأمثلة من واقع العمال سيكون أقرب إليهم ويشعرهم بالثقة والاطمئنان للانفتاح عليه.. لأنه أصبح واحداً منهم..
وهذا الانفتاح الإيجابي الكبير من شأنه أن يمد جسور التفاهم والاتصال الذين يحظى الجميع بفوائدهما..
ولعل العديد منا مرّوا في تجارب لدى الحديث مع أناس لا يركزون كثيراً في الحوار كيف يكون الحديث معهم ثقيلاً أنظر.. إذا تحدثنا مع أشخاص باهتمام فوجدناهم يتطلعون إلى ساعاتهم أو يصلحون من هندامهم أو يتصفحون أوراقاً أو يطالعون مجلة أو صحيفة، أو يلتفتون إلى هنا وهناك كم سيثير هذا الأسلوب فينا من النفرة والملل والإحساس بالإحباط..
إن تمثل عالم الطرف الآخر هو فن بذاته والفوائد المترتبة عليه أكبر مما نتصور، إن الناس أذواق ومشارب والحالات النفسية للبشر تساهم كثيراً في نوعية قراراتهم وطبيعة تصرفاتهم، فإذا تمكنا من أن نتعايش مع الآخرين حسب ميولهم النفسية ودخلنا عوالمهم وتكيفنا مع أجواءهم سنكون في الحصيلة أقدر على تفهم ما يريدون وبالتالي أقدر على إدارة الأزمة معهم إدارة ناجحة ومثمرة.
فعندما يحس محدثنا بأننا قريبون من عالمه الخاص ودخلنا إلى قلبه ومشاعره فإنه يكون من الأسهل عليه وعلينا أن نتعامل بارتياح وطيب نفس وهو يوفر لنا قدرة أكبر على أن نؤثر فيه بمقترحاتنا وآراءنا لأنه لا يشعر بأننا معه في حالة حرب أو خصومة.. أو هناك نوايا يخافنا منها.. كما لا يحس بأن هناك محاولات ضغط وإكراه تفرض عليه من الخارج.
فإذا أردت أن تكسب الناس مهما كانت وظيفتك كن حليماً في أن تقدر أفكار الاخرين وتعطف على رغباتهم في موقع عملك أو حالتك الاجتماعية حتى وإن كنت رب الأسرة، فكل هذه الأماكن تتطلب في حالة الحوار هو اللين.
المصدر / من كتاب كيف تتعامل مع الناس الكاتب خليل الموسوي
الاستماع ودوره في إنجاح التفاهم والحوار الكاتب فاضل الصفار
اضافةتعليق
التعليقات