شخصٌ مثلي يعمل بكدّ طيلة اليوم لما يُقارب الخمسة عشرَ ساعة لا يُحبّ الشاي أمرٌ غير طبيعي، خصوصاً في جوّ العمل المُرهِق الّذي لا يُوجد فيه أحدٌ لا يشربُ الشاي غيري.
شُرب الشاي بطريقة دائمة لا يختلف شيئاً عَن احتساء القهوة، يُصيبك بإدمانه، يُشعرك بالَّلذة الّتي تفقدها إذا فقدتَ الشاي، هذا أمرٌ شبيه بالحُبّ، إدمانه ضرر على القلب كما إدمان القهوة مُضرٌ بالصحة.
في الحقيقة أنا لا أُحِبّ الشاي لسببين: الأول هو أنَّني أخشى كثيراً من الإدمان، أخشى مِن إدمان أيّ شيء، والسبب الثاني هو أنني لا أُحِبّ أنْ أشرب الشاي مِن صنع يدي، أو بالأحرى أشعر بالكسل تجاه أيّ عملٍ يخصّني، لذلك إن أدمنته فسيربطني بأحدهم كي يصنعه لي كلَّما شعرتُ بعقلي يَحِنُّ إليه، لذلك أنا أُحِبّ المشروبات الغازية، الّتي تباع وتشتري بطريقة متاحة دون أن تحتاج لأن يُعدّها لكَ أحدهم، رغم أنها أكثر ضرراً بالصحة مِنَ الشاي إلَّا أنَّ بِضْعَ جُنيهات تمكِّنك مِن شرائها بسلاسة دون الشعور بالإحتياج لأحد.
الحُبُّ صعبٌ لهذه الدرجة بالنسبة لأمثالي الّذين يشعرون بالثِّقل عند طلب شيءٍ مِن أحد، يستخدمون أموالهم ليحصلوا على كُلّ شيء يريدونه، ولكن هناك أشياءٌ لا يمكن أنْ تُشتري بالمال وعلى رأسها الحُبّ. في عالم المشروبات والإدمان ينغمس المرء مِنَّا دون معرفة طريق الخروج، أحياناً تجذبه لذّة الإدمان بعيداً عَن البحث عَن سبيلٍ للإفاقة مِنْ هذا المستنقع، يصير مقيّداً لضعفه، ضعيفاً أمام شهوته، شهياً للولوج في أعمق نقطة داخل عالمه الخاص.. عالم الإدمان. في عالم الحُبّ يُدمن المرء حتّى وإن كانَ يخشي الإدمان، يفقِد طريق الهِمّة لإسعاد نفسه ويتشبّث بالطرف الآخر كي يستمدّ منه دواء قلبه، غالباً لا يعرف أنّه مُصابٌ بالإدمان، ينظر بشفقة لمن حوله ممّن لمْ يتعرّضوا لمسّ الهوى.
يبدأ علاج الإدمان بنصحية مِن عابر سبيل، ثم تكون بِضْعَ نصائحٍ مُتتالية مِنْ بِضْعَة أشخاص ليس لهم مصلحة في علاجنا سوى حُبِّ الخير لنا، ولكن هذه النصائح المبعثرة ليستْ كافية لأن توقف أحد المدمنين عن إدمان شيءٍ معين، يتصعّد الأمر ليتدخل الأطباء والمتخصصين، ويحدث أن يظلّ المدمن في المشفى لبضْعَة شهور على حَسب درجة إدمانه وتقبّله للعلاج.
كُلّ هذا لأجل مُدمن شاي أو مدمن قهوة أو مدمن مخدرات، وهذا كُلّه لا يرتقي للقلب فكيف بمدمني الحُبّ، كيف بمن يحتاجون لأطباء متخصصين في علاج جوي القلبِ وشجنِ الفؤاد، كيف بمن تلتهب مهجته ويصير عاجزَ القلب لا يملك سوى رثاء نفسه وسُكْر جوانحه وتبالة عقله، كيف بمن لا يجدون أطباء يستطيعون معالجتهم، لماذا لا يفهم النّاس أنّ إدمان الحُبّ يتجاوز إدمان المخدرات والمكيّفات بمراحل بالغة، لذلك يحتاج العاشقين بمن يحتويهم بنصيحة، لأشخاص يدعمونهم نفسياً ومعنوياً كي يتجاوزوا هذا الهُيام، لمتخصصين يساعدونهم للوصول حتّى لأدني درجةٍ مِنَ السلام النَّفسي، لمن يسندونهم كي يستطيعوا النهوض وإكمال الحياة مع تقبّل بلائهم وإدمانهم.
اضافةتعليق
التعليقات