يشكل تحمل المسؤولية عند حدوث فشل ما سمةً مميزةً لأي قائد عظيم. في السطور التالية، نتعرف على الكيفية التي يمكن أن يحقق بها المرء مكاسب، حتى عندما تمضي الأمور على غير ما يرام.
قبيل انطلاق بطولة العالم للإبحار الشراعي، سلسلة أمريكا (ريغاتا)، التي أُقيمت في سلطنة عُمان؛ اتخذ السير "بِن إينزلي" قراراً ليس بالهين.
ولكن دعونا نتعرف أولاً على إينزلي، أكثر ممارسي هذه الرياضة نجاحاً على الصعيد الأوليمبي في التاريخ، بفضل إحرازه خمس ميداليات أوليمبية فيها، فهو قائد فريق "لاند روفر. بي آيه آر" للإبحار الشراعي، ولديه ولعٌ بأن يكون دائماً "الفائز القادم من الخلف"، أو بعبارة أخرى أن ينتزع النصر في السباقات التي يبدأها مُحتلاً مراكز متأخرة.
وفي اليوم الأخير من البطولة التي أُقيمت في عُمان، كانت الرياح خفيفة. وفي المرحلتين الأولييّن من المراحل الثلاث للتصفيات؛ أساء إينزلي تقدير سرعة واتجاه الرياح، لينطلق بيخته أسرع من اللازم، مُتجاوزاً خط البداية، لمسافة لا تتجاوز 12 سنتيمتراً مرة، وعشرة سنتيمترات في أخرى، لتُطبق عليه عقوبة مؤداها أن تنطلق كل اليخوت الأخرى قبله.
لكن المرحلة الثالثة غيرت كل شيء. فرغم أن الرياح ظلت تهب بالكاد، قاتل إينزلي ليقفز من المركز الثالث، مُتربعاً على القمة، وكان هذا النصر كافياً لفريقه لإحراز الفوز بالبطولة كلها.
وعندما يتذكر الآن ما حدث؛ يرى إينزلي أن ثمة سبباً قوياً مَكّنَ فريقه من الفوز؛ ألا وهو أنه سارع بتحمل المسؤولية – باعتباره قائد الفريق – عن الخطأين اللذين وقعا في المرحلتين الأولييّن من التصفيات، ما جعل الفريق يخوض المرحلة الثالثة، دون أن يُثقل كاهل أعضائه بعبء اللوم والمسؤولية.
وقال إينزلي في هذا الشأن إن عدم تحمله المسؤولية كان سيحول فريقه إلى "مجموعة من الفتيان الذين يحدقون في وجهي بخيبة أمل. لكن كان لدينا فتيان يدركون أنه من المقبول أن يرتكب المرء أخطاء. رجالي يعرفون أنك إذا ناضلت ثم فشلت، فإن هذا لا ينبغي أن يكون نهاية المطاف".
ولكن هذه المهمة ليست باليسيرة على غالبية القادة أو المسؤولين. فمن العسير والقاسي أن يقر المرء بأنه السبب في حدوث خطأ ما، أو أن يعترف بأن القسم الذي يرأسه، أو الشركة التي يقودها قد مُنيت بالفشل.
غير أنه من المهم الإشارة هنا إلى أن استيعاب الصدمات والآلام، ومواجهة الأمور بشجاعة، واستخلاص الدروس من التجارب؛ تشكل كلها سماتٍ مميزة لأي مدير عظيم وناجح.
اعترف بارتكاب الأخطاء
في هذا الشأن يمكن الاستعانة برأي أوليفر دوناهيو، أحد مؤسسي وكالة "ننْ ستوب ريكروتمِنت شفيتز آيه جي" لاكتشاف المواهب في المجالات الوظيفية المختلفة، وهو كذلك المدير العام التنفيذي للوكالة في براغ؛ إذ يقول إن رغبة البشر في أن يُنسب لهم الفضل عندما تتحقق إنجازات، وأن يلقوا باللوم على الآخرين حينما تقع أخطاء، هو طبيعة إنسانية لا أكثر.
وفي كثير من الشركات، يؤدي ذلك إلى أن تشيع أجواءٌ من شأنها جعل الكل يتهربون من تحمل أي مسؤولية، خشية أن ينالهم عقابٌ، حالما حدث ما لا يحمد عقباه.
ويضيف دوناهيو بالقول إن المرء بحاجة إلى تعلم أن الأخطاء ليست هي ما يحدد طبيعة أدائه الوظيفي، وإنما يتحدد ذلك بناءً على "طريقة تعامله مع هذه الأخطاء".
أما يان هاغِن، الأستاذ المشارك في كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأوروبية للإدارة والتكنولوجيا في برلين، فيقول إن المشكلة المتعلقة بتجنب تحمل المسؤولية حين تمضي الأمور على نحو خاطئ، شائعةٌ بين كل فرق العمل تقريبا؛ على اختلاف أنواعها.
وقد درس هاغِن ردود فعل شرائح مختلفة من العاملين، ممن يواجهون ضغوطاً وتوترات في هذا الصدد، بدءاً من عمال الخدمات المعاونة في المكاتب، إلى الأطقم العاملة في الرحلات الجوية.
وقد وجد أن أطقم رحلات الطيران، على سبيل المثال، لا يبلغون المشكلات في كثير من الأحيان إلى قائد الطائرة، بفعل ذاك القلق الغريزي، الذي يساور المرء حيال مسألة إبلاغه لغيره بأنباءٍ سيئة.
أما في عالم المال والأعمال، فغالباً ما يلوذ المديرون في مستويات الإدارة الوسطى بالصمت تقريبا – كما يقول هاغِن - إذا ما سارت الأمور في الاتجاه الخاطئ، خشية أن يؤدي إبلاغهم لرؤسائهم بأي مشكلة، إلى أن تُنحى باللائمة عليهم بشأنها.
ويخلص الرجل للقول: "الإقرار بأي مشكلة ليس أمراً يسيراً قط، حتى في المؤسسات الكبيرة".
ويمضي قائلا إن المشكلة الكامنة في منظومة الإنكار هذه، أنها تفقدك فرصة استخلاص الدروس مما تقع فيه من أخطاء. بدلاً من ذلك، يتعين عليك بعد الإقرار بفشلٍ ما، أن تعمل على تحليل أسباب الأخطاء التي وقعت، وهو ما سيساعدك على التعرف على كيفية تفادي حدوث ذلك في المستقبل.
ويستطرد هاغِن بالقول: "عندما تسير الأمور على ما يرام، نتحدث عن ذلك ونتعلم منه. (ولكن) عندما يسود الخوف من الفشل في أي مؤسسة، يفقد الناس فرصة استخلاص العبر بشأن كيف حدثت مشكلة ما، وكيف يمكن تجنب حدوثها مرة أخرى".
ويقول دافيد رودنِتسكي، المدير التنفيذي لشركة "3 كيو ديجيتال" العاملة في مجال الإعلام والتي تتخذ من كاليفورنيا مقراً لها، إن تعلم المديرين السبيل الأمثل لتحمل المسؤولية عن أي انتكاسة تُمنى بها شركاتهم، لهو أمر جوهري بالنسبة لهم.
فبالتوازي مع الإقرار بوجود مشكلة ما؛ يتعين إجراء دراسة تحليلية للتعرف على كيفية حدوث هذه المشكلة، وكذلك التعرف على الدروس التي يمكن استخلاصها من ذلك، وكذلك تحديد الكيفية التي يمكن من خلالها تجنب تكرار حدوث تلك الأخطاء لاحقا.
ومن شأن مثل هذه الدراسات التحليلية؛ مساعدة المدير على المواجهة الناجحة لردود الفعل السلبية للغاية، التي يلقاها، سواء من رؤسائه أو من جانب حملة الأسهم في شركته، حال اقترافه لأي أخطاء.
فضلاً عن ذلك، فإن الإقرار بارتكاب مثل هذه الأخطاء – كما يرى رودنِتسكي - سيساعد المديرين على تحسين صورتهم أمام مرؤوسيهم أيضاً؛ إذ أن تحمل المدير المسؤولية عن الخطأ، عوضاً عن إلقاء مسئوليته على كاهل من يعملون تحت إمرته، يُوجِدُ لديهم شعوراً بالإخلاص والولاء.
وأضاف رودنِتسكي أن المدير الجيد هو كذلك من سيدرك أن مفهوم "تحمل المسؤولية" لا يشمل دائماً، حالة تحقيق الشركة لنجاحات. فمن الضروري عند تحقيق نجاحٍ ما، أن يدرك المديرون أن هذا هو الوقت الملائم، لكي ينسبوا الفضل فيه إلى أناسٍ آخرين سواهم.
ويقول رودنِتسكي في هذا الشأن: "هناك قول مأثور يتعين على كل مدير أن يتصرف على هَدْيِه ألا وهو: تحمل أنت مسؤولية (الفشل) وانسب فضل (النجاح) للآخرين".
أن تنبذ غرورك وحبك لذاتك
ويحين هنا موعد الحديث عن كريستينا مارياني-ماي، تلك السيدة التي خَبُرَتْ مؤخرا – وبشكل مباشر - مدى الصعوبة التي تكتنف إقرار المرء بأنه كان على خطأ.
فأسرة مارياني-ماي؛ تمتلك شركة "بانفي واينز"، التي تتخذ من نيويورك مقراً لها.
وقبل سبع سنوات، طرأت على ذهن والدها "جون مارياني" فكرة إقامة فندق على الأراضي التي تمتلكها الأسرة في إيطاليا، على مساحة سبعة أفدنة. وخلال اجتماع جرى بينه وبين ابنته في مكتبهما المشترك بمدينة مونتالشينو الإيطالية، رأى الأب أن بوسع الشركة المملوكة للأسرة إدارة الفندق بنفسها، بينما أكدت الابنة ضرورة الاستعانة بخبير في هذا الصدد. وهنا احتدم النقاش، وبدا أن لا إمكانية لإيجاد حلٍ مرضٍ للطرفين.
في النهاية، وافقت مارياني-ماي على دراسة كلا الخيارين. وبعد عامين، وبعدما درست الأمر مع الملاك الآخرين للشركة هذه؛ عادت إلى والدها بإجابة كانت عسيرة على نفسها، قائلة له إنه كان على حق.
وتستذكر هذه السيدة ما حدث وقتذاك بالقول إنها اضطرت لتناسي كرامتها قليلاً "وكان عليّ الإقرار، بأنني كنت مخطئة".
ومضت قائلة: "لم يكن ذلك سهلاً، ولكن بمجرد أن تحملت المسؤولية عن اتخاذ القرار الخاطئ، بات بوسعنا" تجاوز الأمر، والمضي قدماً في المشروع.
وهكذا فقبل خمس سنوات، افتتحت الشركة فندقاً تديره هي بنفسها، ويحمل اسم "كاستيللو بانفي إل بورغو"، وهو مُقام في قلعة تعود للقرن الثاني عشر، ومؤلف من 14 غرفة. ومنذ تلك اللحظة، صَنّفته مجلة "كوندي ناست ترافلر"، المهتمة بشؤون السياحة والسفر وأنماط الحياة المرفهة، من بين أفضل الفنادق في إيطاليا.
أما دار "فودور ترافل"؛ وهي أكبر دور نشر الأدلة والمطبوعات الخاصة بالسياحة والسفر باللغة الإنجليزية، فقد وضعت الفندق من بين أفضل 10 فنادق تقدم النبيذ ذا الطابع الريفي في العالم بأسره. وبرأي كريستينا مارياني-ماي؛ لم يكن هذا ليصبح ممكناً، ما لم تبادر هي بالإقرار بارتكابها خطأ ما.
وتقول في هذا الصدد إن ذلك "يشكل أحد مقومات الإدارة الجيدة؛ ألا يشرع المرء في أي مشروع كبير بروحٍ مفعمة بالغرور والنرجسية وحب الذات، وأن يكون مستعداً للاعتراف (بذنبه) حينما يقترف أي خطأ".
اضافةتعليق
التعليقات