ليست الأمور كلها بيدنا، فلا أحد مثلا يستطيع أن يختار تاريخ ميلاده، والعائلة التي يولد فيها، ولا مكان ولادته، ولا لون عينيه، ولا طوله، ولا لون بشرته وصفاته الجسدية.
لا احد يستطيع أن يمنع وقوع بعض الحوادث المؤسفة له كموت صديق او حدوث زلزال أو هبوب الرياح أو أمور أخرى من هذا القبيل، فتلك أمور ترتبط بالقضاء والقدر.
كانت هناك قرية فيها عجوز حكيم وكان أهل القرية يثقون به، في الإجابة عن اسألتهم ومخاوفهم. وفي احد الايام، ذهب فلاح من القرية إلى العجوز وقال بصوت محموم: «أيها الحكيم، ساعدني، لقد حدث لي شيء فظيع.
لقد هلك ثوري وليس عندي حيوان يساعدني على حرث ارضي! أليس ذلك أسوء شيء يمكن أن يحدث لي؟».
فأجاب الحكيم: «ربما كان ذلك صحيحا، وربما كان غير صحيح».
فأسرع الفلاح عائدا لقريته وأخبر جيرانه ان الحكيم قد جن، لأنه كان يظن ان ذلك أسوء شيء يمكن أن يحدث للفلاح، فكيف لم يتسن للحكيم أن يرى ذلك؟
إلا أنه في اليوم ذاته، شاهد الناس حصانا صغيرا قويا بالقرب من مزرعة الرجل. ولأن الرجل لم يعد عنده ثور ليعينه في عمله، فقد أتت الرجل فكرة اصطياد الحصان ليحل محل الثور، وهو ما قام به فعلا.
وقد كانت سعادة الفلاح بالغة، فلم يحرث الأرض بمثل هذا اليسر من قبل. وما كان الفلاح إلا ان عاد للحكيم وقدم اليه اسفه قائلا: «لقد كنت محقا أيها الحكيم، ان فقداني للثور لم يكن أسوأ شيء يمكن أن يحدث لي، لقد كان نعمة لم أستطع فهمها فلو لم يحدث ذلك لما فكرت لي أبدا ان أصيد حصانا جديدا، لابد انك توافقني على ان ذلك هو افضل شيء يمكن أن يحدث لي».
فأجاب الحكيم: «ربما نعم، وربما لا».
فقال الفلاح لنفسه: «لا، ثانية؟!، لابد أن الحكيم قد فقد صوابه هذه المرة».
لم يدرك الفلاح ما سيحدث وبعد مرور بضعة أيام سقط ابن الفلاح من فوق صهوة الحصان، فكسرت ساقه، ولم يعد بمقدوره المساعدة في حصاد المحصول.
ومرة أخرى، ذهب الفلاح إلى الحكيم وقال له: «كيف عرفت ان اصطيادي للحصان لن يكون أمرا جيدا؟ لقد كنت على صواب ثانية، فلقد جرح ابني ولن يتمكن من مساعدتي في الحصاد. هذه المرة انا على يقين بأن هذا هو أسوء شيء يمكن أن يحدث لي، لابد انك توافقني هذه المرة».
ولكن كما حدث من قبل، نظر الحكيم إلى الفلاح واجابه بصوت ملؤه الشفقة وقال «ربما نعم، ربما لا».
استشاط الفلاح غضبا من جهل الحكيم وعاد إلى القرية.
وفي اليوم التالي، قدم أفراد الجيش واقتادوا جميع الرجال القادرين للمشاركة في الحرب التي اندلعت للتو، وكان ابن الفلاح الشاب الوحيد الذي لم يصطحبوه معهم، ومن هنا كتب له ان يبقى في منزله في حين أصبح محتما على الباقين ان يذهبوا إلى الحرب.
لا ندري ماذا سيحدث غدا، نحن فقط نعتقد أننا نعلم ذلك، وغالبا نضخم من شيء ما، ونخترع أحداثا مبالغا فيها في عقولنا عن اشياء بشعة سوف تحدث.
اما اذا احتفظنا برباطة جأشنا وفتحنا عقولنا امام كل الاحتمالات، لتأكدنا من ان كل شيء سيصبح على ما يرام في نهاية المطاف. وتذكر: «قد يكون الأمر كذلك، وقد لا يكون».
اضافةتعليق
التعليقات