كل إنسان منا عنده مقومات حياتية من أعضاء وقوى وغيرها، بعضها ظاهر وبعضها باطن، وبعضها مادي وبعضها معنوي، وحياته لا تكون مستقيمة على أكمل وجوهها إلا بها، غير أن هذه القوى تختلف من إنسان إلى آخر، فقد توجد كلها مجتمعة عند انسان، وقد لا يوجد إلا بعضها عند إنسان آخر.
كالرأس، والعين، والأذن، واللسان، واليد، والرجل، والحفظ، والقلب، والعقل، والهمة، والحكمة، والمستقر، والمركب، والسلاح، والسيف، والقوس، والجيش، والمال، والذخيرة، والزاد، والمأوى، والدليل، والرفيق. ومنزلة كل مقوَم من هذه المقومات تختلف عن منزلة اليد والرجل وهكذا. كما أن كل مقوم مرتبط بالمقوم الآخر، فلا غنى للإنسان عن واحد من هذه المقومات نعم قد تكون حاجته إلى بعضها أهم من حاجته إلى البعض الآخر فحاجته إلى الرأس والقلب والعقل أهم من حاجته إلى اليد والرجل، وإن كانت حاجته إلى اليد والرجل لا تخفى.
وحاجته إلى السيف والجيش عندما يخوض معركة مصيرية أهم من حاجته إلى بعض المقومات التي لا ترتبط كثيراً بأمر المعركة مع أن حاجته إلى المقومات الأخرى لا ترتفع.
وهكذا الأمر في العلم فإن كل المقومات التي يحتاجها الإنسان الكامل الذي يريد أن يعيش الحياة السعيدة الكاملة من شتى نواحيها يحتاجها العلم، ولكن ليس بصورتها المادية وإنما بصورتها الروحانية، الملكوتية. فالعلم يحتاج إلى الرأس والعين والأذن، واللسان، واليد، الرجل، والحفظ، والقلب والعقل، والهمة، والحكمة، والسيف والجيش وغير ذلك من المقومات التي أشرنا إليها قبل قليل.
ولهذا نجد أمير المؤمنين عليه السلام يشبه العلم بإنسان روحاني كامل عنده هذه المقومات ولكن بصورتها المعنوية، الروحانية، الملكوتية فيقول عليه السلام: أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به... إن العلم ذو فضائل كثيرة: فرأسه التواضع، وعينه البراءة من الحسد، وأذنه الفهم، ولسانه الصدق، وحفظه الفحص، وقلبه حسن النية، وعقله معرفة اﻷسباب باﻷمور، ويده الرحمة، وهمته السلامة، ورجله زيارة العلماء، وحكمته الورع، ومستقره النجاة، وفائدته العافية، ومركبه الوفاء، وسلاحه لين الكلام، وسيفه الرضا، وقوسه المداراة، وجيشه محاورة العلماء، وماله اﻷدب، وذخيرته اجتناب الذنوب، وزاده المعروف، ومأواه الموادعة، ودليله الهدى، ورفيقه صحبة اﻷخيار".
ففي هذا الحديث الشريف أشار اﻹمام عليه السلام إلى مباحث كثيرة ومهمة والذي يعنينا منها اﻵن ثلاثة أمور:
اﻷول: أوجه الشبه بين العلم وبين اﻹنسان الكامل، والنكات التي يريدها الإمام عليه السلام من هذا التشبيه.
الثاني: السر في تعبير اﻹمام عن مقومات العلم التي أشار إليها في كلامه عليه السلام بكلمة فضائل حيث قال (إن العلم ذو فضائل كثيرة) ولم يقل: مثلا (إن العلم ذو مقومات كثيرة) أو ذو أركان أو أعمدة أو ما أشبه.
الثالث: أبرز ما يحتاجه طالب العلم الديني من المقومات والركائز لكي يكون علمه نورا.
اضافةتعليق
التعليقات