من الغریب جدا كیف تنتشلني آیات الذکر الحكیم عن هذا الزخم الهائل من الأفکار و الترهات التي تتعاقب متسلسلة في أفكاري؟.
كیف یمكن لحادثة قد حدثت ربما قبل عشرات الأعوام أن تلقي بظلالها علی البشر بعد كل هذه الساعات و الأیام و اللیالي و الشهور و السنین الممتدة؟
عجیبة هي التكوینة البشریة!
كنت منشغلة بتلاوة الآیة المباركة: { ثم قَسَتْ قُلُوبُکمْ مِنْ بَعْدِ ذلِك فَهِی کالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا یتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا یشَّقَّقُ فَیخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ}.
لماذا یصبح هذا القلب الذي خلق لیحمل کل معاني الحب و العشق و الهیام و الأمومة، وهذا الکم الهائل و الزاخر من العطاء کالحجارة، أو حتی أشد قسوة بما أنها قد تتشقق و یخرج منها الماء؟!
و ما أدراك ما الماء، سر الخلیقة و الوجود و الخیر و البركة الإلهیة اللا متناهیة.
تلك القطرات التي تذكرنا طرقاتها بالإنبثاق و میلاد الزهور و البراعم و احتفال الفراشات بكل هذا الزهو والجمال.
الخلیقة هي تلك الأم الحنون التي تعلمنا العزف علی مقطوعات الحیاة، لا بد إذا لهذا القلب أن یلین.
كثیرة هي المواقف التي یتجاوزها الإنسان بحلوها و مرها في مسیرة الزمان و هي كفیلة لتترك كدسا كبیرا من المشاعر المتضاربة في لا شعور الفرد، لتنعکس دون إرادة علی صفحات الواقع.
مشاعر الحب منها تنقلنا إلی عالم أثیري مفعم بالنشاط و التجدد و التجول علی بساط سحري یتجاوز کل المعوقات في سبیل الوصول إلی الهدف.
یوقد في النفس کل إضاءات السلام و بریق الأمل المنشود من أجل التغییر.
کم هائل من عنفوان الشباب الآمل بإنجاز المستحیل، و تسجیل الرقم القیاسي في کل شئ .
أحاسیس من نور علی نور، توحي بالإنفجار من القوة إلی الفعل و هذا بالتحدید هو المطلوب.
الحفاظ علی هذا النوع من الذكریات في دهالیز النفس، لأنها تخزن في داخلها عمقا من الأمل تؤدي بنا لتسجیل نجاحات متوالیة.
ولكن من المؤسف أن یکون لخزین السئ منها، کفقد أحد الأعزاء أو إخفاق في امتحان أو تجربة حب فاشلة أو مرض أو فقد العمل و تحمل خسارات فادحة، و ما إلی هنالك من قوائم لا تنتهي من مطبات الدهر العجیبة و الغریبة و المتكررة نفس الإنعكاس السلبي الذي یشعر الفرد بالإحباط و حب العدم و التوجه للوحدة و الكآبة و الهم الثقیل، حیث یری في كثیر من الحالات أن أفضل حل هو التخلي عن هذه الحیاة و اختیار الرحیل.
دع الماضي و كن مضارعا بامتیاز:
هل مجرد ذكری كفیلة بصنع هذا التل من الحزن والألم؟ إذاً لا تتذكرها!
هذا هو الحل العقلائي الوحید لتجاوز هذا الغم.
لماذا یصر الكثیر منا لتذكر حوادث حدثت في زمن ماض لا حول لنا و لا قوة لتغییرها، قدرها الباري المتعالي بحكمته و تدبیره؟!
جمیل جدا أن یتمیز الإنسان بإدارة ناجحة لأفكاره و ما یجول في خاطره فیختار ما یعینه علی مواصلة الحیاة بنوع من التفاؤل لیكون دوما ینبوعا زاخرا بالعطاء و الإنجاز علی أن یتحول إلی بؤرة بركانیة یقذف الحمأ لیحرق الأخضر و الیابس بلا وعي.
ما أجمل أن یکتسب المخلوق صفة من صفات الباري عز وجل ألا و هي: الغفران.
تتصاعد إلیه ذنوب العباد دون انقطاع و یتواصل فضله و إحسانه دون هوادة ، یسامح و یغفر و یرزق كل یوم دون كلل.
من روائع الخطی في هذا البون أن یتعالی الإنسان من مجرد الوعظ و القول إلی درجة الفعل و الإنجاز،
یغوص عمیقا في قلبه و یغفر لكل من یحمل علیه نقطة ما زالت تؤشر علی صفحات مهجته البیضاء،
یسامح نفسه في الوهلة الأولی، یسامح والدیه و إخوته، أساتذته و معلمیه، جیرانه و أصدقائه و كل أقاربه علی كل ما بدر منهم طوال هذه االفترة الممتدة من الزمان، یقذفها بعیدا عن دائرة ذكریاته و أفكاره، لیحتل مكانه عبیر مفعم یزكم النفوس الحساسة و یتعداها لیصل إلی الملكوت بكل نقاء و صفاء بلا مقابل خالصا لله عز و جل، كما هو في ذاته جل و علا.
اضافةتعليق
التعليقات