كم منا يعيش هذة الحالة (حالة الطوارئ) لشيء مهم ويظن أنَّه يقوم بالعمل الصحيح ولكنه يعيش حالة من الطوارئ الوهمية لموقف يمكن أن يُؤجل، (كالتليفونات. مواعيد. تقارير. إجتماعات) فإدمان الطوارئ حالة مرضيّة يعيشها الكثير من القادة بشتى تخصصهم وهم لايشعرون.
فهناك بعض الناس عندما تريد أن تتكلم معه يردد هذة الكلمة (أنا مشغول!) أي إنّه مهم وإنّه بحالة دائمة من العمل ولكن لاترى أي إنجاز حقيقي واقعي له.. إنه شعور وهمي بالانجاز لا غير!
كم منا يكرر هذه العبارات: ( إنّ حياتي مرهقة. دائماً مشغول. لا أقضي وقتاً كافياً مع أُسرتي.. ) ولكن هل فكّر أحدنا بأداء الأعمال الأهم أولاً ومن ثم القيام بالأعمال المهمة؟ وهل فكّر أحدنا أن يخرج من حالة الطوارئ الوهمية التي يعيشها الى حالة العمل المهم الواقعي؟!
كم هو رائع أن يُخطط الفرد في نهاية كل يوم لما سوف يقوم به في اليوم الآخر.. ولعل أهم مايُميز الانسان الناجح عن الفاشل يكمن في ترتيب الاولويّات فهناك كثير منّا يصحو ولا يعلم ماهو برنامجه اليومي إلا البرامج الروتينية من عمل وطعام ونوم!!
ونحن بصدد الحديث عن كيفية تحديد الأولويّات علينا أن نُحلق في عالم أمير المؤمنين (عليه السلام) ونتعلم من مواقفه وسيرته بأنه كيف كان يُرتب أولويّاته ويقرر ويحدد الأهم ثم المهم يقول صلوات الله عليه: من أشتغل بغير المهم ضيّع الأهم.
أي إنك لا تملك إلا أن تقوم بعمل واحد في كل وقت فإذا أنشغلت بالعمل المهم فلن تستطيع ان تؤدي العمل الاهم وأذا إنشغلت بما هو تافه فلن تستطيع أن تنشغل بما هو ضروري، فمن ينشغل بالمباريات وكرة القدم والمسلسلات المُدبلجة والافلام لا يستطيع حينها أن ينجز تطلعاته وأعماله ودراسته وبحثه العلمي وهكذا هي الحياة كالدلو اما أن تملأه بالطين أو بالماء النقي.
ان أهمية نظرية تحديد المهم والأهم تكمن في أنها تضعك على الخط الصحيح وتُعدّل مسار حياتك وبالتالي سترى بأن سلوكك قد تغّير يوماً بعد يوم فهي تجعل تفكيرك يحدد الأولويّات قبل اي ردّ فعل أو تصّرف وهل أن هذا العمل من الأهمية أو من الطوارئ؟ وبالتالي ستُقلل من الضغط النفسي والتوتر وتقليل الجهد مقابل إنجاز أكثر وأكبر.
ولكي نفرق بين الامور الملحّة والامور الهامّة والطارئة بطريقة أكثر فاعلية لابد من تقسيم أنشطتنا الى مجموعات أربع ضمن هذة المصفوفة:
المربع الاول: يعبّر عن الامور العاجلة والهامة في الوقت نفسه كالأزمات الحقيقية أو المشاكل الطارئة او المرض المفاجىء.
المربع الثاني: الامور الهامة وليست الطارئة كالتخطيط للمستقبل او تنمية المهارات او البحث عن الزوجة الصالحة.
المربع الثالث: الامور العاجلة وليست هامة وهنا تقع المشكلة والتي يظن اغلب الناس بأنهم ينجزون ومشغولون وفي الواقع أنهم ليسوا كذلك كالاجتماعات الطارئة الغير هامة او الرد على التليفونات.
المربع الرابع: امور ليست بالمهمّة أو العاجلة وهو مربع الضياع وللأسف الشديد أن كثير من شبابنا وطاقاتنا تذهب سدى بسبب هذا المربع مثل مشاهدة التلفزيون، التسوق الترفيهي الغير ضروري..
كم منا يمكن له أن يُقدّم بعض مصالحه الشخصيّة على مصلحة العقيدة والدين؟ وكم منّا يضحّي براحته وهدوئه على حساب رفعة أمر إجتماعي أو
خدمة الناس؟ فالجهاد الحقيقي يكمن في أن تعيش حالة إستثنائية لا يعيشها غيرك وأن تُقدم مالا يقدمه أحد غيرك.
فأمير المؤمنين (عليه السلام) كان يمكن له أن يشهر السيف والسلاح في وجه المعتدين وكانت لديه من مؤهلات النصر من شجاعة وبسالة وخبرة ولكن تفكيره الدائم بأولويّات الدين وإنقاذ الأُمة والرسالة التي جهدَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى نشرها في الجزيرة العربية منعته من الدخول في معترك الصراعات والسجالات.
فلنحاول ونحن نخطو نحو الآخرة ونرى بأن اعمارنا بأنتقاص وتآكل أن نقدّم الاهم على المهم ونقدّم مرضاة الله سبحانه وتعالى على اهواء النفس ونقدم الحياة الابدية في الآخرة على الحياة المرحلية في الدنيا.
صنوان لا يفترقان..
وفي ضوء تقديم الأهم على المهم تبرز لدينا قاعدة أُخرى ضرورية لاتقل أهمية عن القاعدة الأولى وهي (الحزم والأنضباط) حيث أنهما صنوان لا يفترقان فأذا ما اردت أن تستمر قائداً سواء على صعيد أسرتك او بيتك او منظمتك أو لجنتك عليك أن تضع القواعد الفاصلة في العمل ولا تسمح بتجاوزها أو التساهل فيها مطلقاً، أن أبرز ما يُميزك كشخص قائد حازم هو أن تضع معايير ثابتة يسير عليها من يرتبط بك، فمسألة الحزم والأنضباط هو أنّك يجب أن تتخذ قراراً لحسم المواضيع لا أن تدع الأمور من دون حسم لأن بقاء الوضع في المنطقة الرمادية يضعف موقفك، ( من لم يقدمه الحزم أخّره العجز)، ويجب ان ينتبه الفرد الى أهمية ان يكون القرار حاسماً وليس متهوراً.
ومن مقامات الحزم التي عمل بها أمير المؤمنين هي الحزم فيما يتعلق بالنفس، ( من أهمل نفسه ضيّع أمره).
والحزم فيما يتعلق بأولاده وأقربائه والحزم فيما يتعلق بالقادة والعمّال وفيما يتعلق بالرعية والعامّة،
جدير بالذكر أنه كان دائماً ما يوازن بين الحزم واللين ويتصرف بما تقتضيه المواقف فهناك علاقة ثابتة بين الحزم والعزيمة، فالعزيمة تسبق الحزم وهي مقدّمتها ومن يريد أن يكون حازماً في أمره ينبغي أن يكون ذا عزيمة ومن قويت عزيمته قوي حزمه وقد قيل ان الحزم له ركنان، أوّلهما: إنتظار الفرصة والتعجيل بها، وبما أن المسارعة في الأمور هي من مقتضيات الحزم لكن لا تعني عدم الأستشارة والأستبداد بالرأي فهي جزء من الحزم يجب ان لا يتناساه الفرد فالحزم: ( مشاورة ذوي الرأي وإتباعهم).
ومن الحزم حفظ ما كُلّف به المرء من اعمال وواجبات فلا يفسح المجال للمغريات والأهواء أن تتطاول عليه وتفرض عليه ترك تلك التكليفات وهذا مؤشر جيد لمن يريد معرفة الحزم في شخصيته (إنما الحزم طاعة الله ومعصية النفس).
اضافةتعليق
التعليقات