نستذكر في هذه الأيام من شهر رمضان المبارك ذكرى استشهاد بطل العروبة والإسلام وحامل سيف ذو الفقار الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام والذي استشهد وهو ساجدا في محراب الصلاة في مسجد الكوفة لتكون بذلك نهاية حياته الدنيوية في أطهر بقعة مباركة وأفضل وضع يكون عليه الإنسان ألا وهو وضع السجود وفي أفضل وأكرم شهر عند الله سبحانه وتعالى وهو شهر رمضان المبارك وفي بداية العشر الأواخر من رمضان التي تتضاعف بها طاعات الإنسان وعباداته لأن فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
وانتقل إلى حياة الآخرة والنعيم الموعود الذي وعده بها رسولنا الأعظم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم لتكون بذلك أروع خاتمة لأشرف حياة قضاها أمير المؤمنين في البر والتقوى والعبادة والجهاد في سبيل الله ومبادئ الإسلام الحنيف وإعلاء شأن الرسالة المحمدية هادية الإنسانية في كل زمان ومكان.
لقد مثلت حياة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أسمى معاني التضحية والفداء والشجاعة والبطولة والصبر والإيثار والحق، التي تجسدت في شخصيته الفذة التي قل نظيرها، إن لم نقل انعدم مثيلها في التاريخ عدا شخص الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
لقد اختزل الاسلام برمته في شخصية علي بن أبي طالب (ع)، فمن أراد أن يعرف الإسلام الحقيقي كما هو دون زيف وتحريف فلينظر إلى شخصية وسيرة أمير المؤمنين (ع). ويكفي عليا فخرا بأنه وليد الكعبة الوحيد على مر التاريخ، حيث أراد الله سبحانه وتعالى أن يكرم الإمام علي عليه السلام بصورة لا يكرم بها أي شخصية أخرى من البشر عدا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبذلك جعله وليد الكعبة المشرفة والتي تشرف بها وافتخرت به، وأن يأتي النداء من الله العلي القدير على لسان جبريل "لا فتى إلا علي لا سيف إلا ذو الفقار".
فعلي هو سيف الإسلام والمدافع عنه والفدائي الأول فيه، لم يتردد يوما عن قول الحق والدفاع عنه مهما كان ولمن كان، ولم تهتز مبادؤه التي آمن بها ونشأ وتربى عليها في حضن الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم مهما تكالبت عليه الأعداء وحاصرته عاديات الزمن وخذله المقربون منه قبل الأعداء.
لقد كان علي ومازال وسيبقى نورا ساطعا يضيء الدرب لكل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على الرغم مما قام به الأعداء الكثيرون له من محاولات كثيرة لطمس شخصيته وعدم اظهارها بوجهها الحقيقي على مدى التاريخ. ولكن مهما حاول هؤلاء الأعداء طمس الحقائق يزداد الناس تمسكا بعلي وبالمنهج الذي خطه للمسلمين.
لقد كان الإمام علي عليه السلام جبلا شامخا تتحطم عنده كل المحاولات الرامية إلى إضعاف الإسلام المحمدي الحقيقي والنيل منه والإلتفاف على مبادئه السامية التي جاءت لنصرة الضعفاء والمظلومين والترفع بالإنسانية لتعيش في حياة طاهرة نقية يتساوى فيها الغني مع الفقير والقوي مع الضعيف ليكون العالم أشبه بالمدينة الفاضلة التي يترفع ساكنيها عن الملذات الدنيوية قصيرة الأمد والزائلة حتما في يوم ما لتصبو أنظارهم إلى حلم جميل وأبدي لا ينتهي ألا وهو جنان الخلد والنعيم التي وعد بها الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين حقا والذي يمثل الإمام علي عليه السلام قائدهم إلى تلك الجنان والنعيم بعد الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
إننا عندما نستذكر شخصية الإمام علي (ع) علينا أن نضع نصب أعيننا المبادئ والقيم التي استشهد من أجلها أمير المؤمنين, ولتكن مناسبة متجددة للوقوف على واقع الدين الإسلامي حاليا ومما يحاول أعداء هذا الدين من تشويه صورته الحقيقية التي أوجدها الرسول الكريم محمد (ص) ونشرها ابن عمه علي بن أبي طالب (ع) بسيفه وأبقاها ابن أمير المؤمنين الحسين الشهيد عليه السلام، للعمل لإزالة مالحق به من تشويه وزيف.
إننا ما أحوجنا في هذا الزمان لشخص مثل علي بن أبي طالب ليقيم اعوجاج الحق وينتصر للمظلومين ويهز عروش الجبابرة والطغاة.
ليكن عملنا خالصا لوجه الله تعالى ورسوله ودينه الحنيف. لنعمل من أجل بناء شخصيتنا الإسلامية الحقيقية التي تدعو إلى الإيمان والخير والتوحيد. لنعمل على لم شملنا وجمع صفوفنا لمواجهة أعداؤنا الحقيقيون.
إننا فخورون لإنتمائنا إلى الخط القويم الذي اتبعه أمير المؤمنين (ع)، وليتجسد هذا الإنتماء بالعمل لرفع شأن الدين الإسلامي، وتوضيح الحقائق كما هي للآخرين, وابعاد الحيف والظلم الذي لحق به.
عندما نبكي أمير المؤمنين دما حزنا وألما لفقده، فإن عزاؤنا هو أن ماخطه عليا لنا يتجدد يوما بعد آخر وينتشر. ونحن بإنتظار الأمل المنشود الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، الذي سوف ينقذنا مما نحن فيه، ويملأ الأرض عدلا ونورا، فهو أمل المستضعفين وقاهر عروش الجبابرة والمتكبرين.
لنتمسك بعلي بن أبي طالب عليه السلام ولنسير على الخط الذي رسمه للإسلام خط الصلاح والهداية ولندافع عنه بكل جرأة وشجاعة، ليقود حياتنا إلى الخير والصلاح والهداية ورضا الله سبحانه وتعالى.
بعض وصاياه عليه السلام قبل استشهاده
ذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه وأبو الفرج الاصبهاني في مقاتل الطالبيين.
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما أوصى به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين أوصيكما بتقوى الله وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما وقولا بالحق واعملا للأجر للآخرة وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا أوصيكما وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغهم كتابي هذا من المؤمنين بتقوى الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام وأن البغضة حالقة الدين ولا قوة إلا بالله انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب والله الله في الأيتام لا تغيروا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم فإني سمعت رسول الله صلى الله عيه وآله وسلم يقول من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله له الجنة كما أوجب لأكل مال اليتيم النار والله الله في القرآن فلا يسبقكم إلى العمل به غيركم والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم ما زال يوصينا بهم حتى ظننا أنه سيورثهم والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا وإن أدنيما يرجع به من أمه أن يغفر له ما سلف من ذنبه والله الله في الصلاة فإنها خير العمل وإنها عمود دينكم والله الله في الزكاة فإنه تطفئ غضب ربكم والله الله في صيام شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم فإنما يجاهد في سبيل الله رجلان إمام هدى ومطيع له مقتد بهداه والله الله في ذرية نبيكم فلا يظلمن بين أظهركم والله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا ولم يؤووا محدثنا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدث والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم والله الله في النساء وما ملكت أيمانكم فإن آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن قال أوصيكم بالضعيفين نسائكم وما ملكت أيمانكم.
ثم قال الصلاة الصلاة ولا تخافن في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغي عليكم قولوا للناس حسنا كما أمركم الله عز وجل ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليكم بالتواصل والتباذل والتبار وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم واستودعكم الله خير مستودع وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، (أعيان الشيعة للعاملي: ج1، ص533.).
درر من أقواله صلوات الله وسلامه عليه
1. آفة الأمانة الخيانة.
2. أبخل الناس من بخل بالسلام.
3. أبغض العباد إلى الله سبحانه وتعالى العالم المتجبر.
4. اجعل رفيقك عملك وعدوك أملك.
5. أحسن العدل نصرة المظلوم.
6. بكاء العبد من خشية الله يمحص ذنوبه، ومفتاح الرحمة.
7. تدبّروا آيات القرآن واعتبروا به فإنه أبلغ العِبَر.
8. ترك الشهوات أفضل عبادة وأجمل عادة.
9. تعلم علم من يعلم وعلم علمك من يجهل فإذا فعلت ذلك علمت ما جهلت وانتفعت بما علمت.
10. ثروة العاقل في علمه وعمله.
11. ثمرة الطمع ذل الدنيا والآخرة.
اضافةتعليق
التعليقات