تعني كاريزما القيادة في اللغة بأنها هبة السماء أو هدية السماء وكذلك تعني سحر الشخصية و الجاذبية العارمة لها. أو ما يطلق عليها الشخصية القوية وفي قاموس (وبستر) تعني القوة الفائقة. اما المعنى الإصطلاحي فهي تعني تلك الشخصية التي تمتلك مؤهلات و صفات تجعل الآخرين ينجذبون إليها ويقتنعون بادائها حتى لو لم يكون الشخص رئيسا فالكاريزما تعني الجاذبية الرائعة.
من الواضح أننا عندما نقوم بتكريم شخص على عمل مميز انجزه مباشرة يعد أمرا طبيعيا ومقبولا.. اما أن يكرم شخص من قبل جهات معتبرة كالأمم المتحدة بعد اكثر من الف واربع مئة عام على إنجازات إنسانية وخدمات بشرية فهذا أمر بالغ الأهمية والاعتبار فقد أصدرت الامم المتحدة تقريرا يتألف من ٢٦٠ صفحة باللغة الإنجليزية في عام ٢٠٠٢ أعده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخاص بحقوق الإنسان وتحسين البيئة والمعيشة والتعليم حيث يتم اتخاذ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من قبل المجتمع الدولي الشخصية المتميزة الأولى ومثلا أعلى في إشاعة العدل واحترام الرأي والرأي الآخر واحترام حقوق الإنسان من المسلمين وغير المسلمين. وتطوير حقول المعرفة وتأسيس دولة على أسس التسامح والخير والتعددية وقد وزع هذا التقرير على جميع دول منظمة الأمم المتحدة، فقد تضمن هذا التقرير أبعادا متعددة من حياة أمير المؤمنين ومواقفه الرائدة في بناء الإنسانية و تنميتها على جوانب مختلفة كالجانب السياسي و الجانب التنموي و عمارة الأرض و جانب التعليم و محاربة الأمية.
من الواضح انه عندما يعجز الآخرون عن إنجاز المهام الموكل إليهم يسعفهم البطل القائد، فالامام علي (عليه السلام) أراد أن ينقل هذه الكاريزما الربانية الرائعة الى اصحابه ويعلمهم إياهم فكان يوصيهم بالورع في الناس والرحمة و الرأفة عليهم كما قال لمالك الاشتراك عندما ولاه مصر: (و أشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم والطف بهم و لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم) وهذه وصايا ليست لمالك وحسب بل هي منهج لكل حاكم يعاني الجفاء وفجوة الاتصال مع رعيته ولو طبقها لتستعجل الثمرة سريعا ووجد الخير..
لو سأل سائل كيف امتلك سحر الشخصية وما هي طرق التأثير على الآخرين لقلنا في معرض الجواب أن هذه العوامل والطرق يجب اقتباسها من خلال متابعة حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) وسوف نقف على بعض جوانبها:
اولا- الثقافة الواسعة: فهذه الصدفة تعطيك بعدا واسعا و أفقا رحبا في فهم الآخرين والتحدث إليهم والتقرب منهم وبالتالي إعجابهم بشخصيتك والتقرب منك. فقد تميز أمير المؤمنين عن غيره من أقرانه ومن عاشر انه يعتبر موسوعة علمية ضخمة فهو كالبحر لا تعرف أين شواطئه و كالسماء لا تدري من أين تبدأ به و اين تنتهي منه فقد قال الرسول الأعظم: (يا علي لا يعرفك إلا الله و أنا)، ففي علم الرياضيات: من شواهد عبقرية الامام يقال بانه دخل بيت مال البصرة في جماعة بعد واقعة الجمل و ألقي نظرة الى مافيه من مال و ورق متفكرا هنيهة، فقال أقسموه بين أصحابي بمقدار (٥٠٥) قسم.ففعلوا.. و مانقص درهم. وكان عدد الرجال ١٢٠٠٠رجلا، اي تم التوزيع بينهم بالسواسية.
و أما في علم الأحياء فقد وضع الامام قاعدة علمية مهمة تمكن من خلالها أن تميز بها الكائنات التي تلد من التي تبيض، فقال (ليس من شيء يغيب أذناه إلا و هو يبيض وليس من شيء يظهر أذناه إلا و هو يلد) و استخدمت هذه القاعدة العلمية منذ ان تفوه بها الإمام حتى يومنا هذا واثبتت المصادر العلمية.
ثانيا-حسن الخطابة و اللباقة و حسن الطرح و إقناع الآخرين: فالأمام هو سيد البلاغة بل سيد العرب في اللغة و الخطابة والحديث والمنطق بعد رسول الله لذا على القائد أن يملك من الفصاحة والبيان ما يمكنه من التأثير على الآخرين وتحفيزهم وإقناعهم بخططه وأفكاره ومشاريعه وهذا ما يؤكده أمير المؤمنين بقوله{ تكلموا تعرفوا فإن المرأ مخبوء تحت طي لسانه}.
ثالثا-القدرة على اتخاذ القرارات و تحقيق الإنجازات: تعدد الانتصارات و تكرار الإنجازات في منظومة الفكر الإداري.. ان هذا العنوان يدل على نجاح شخصية القائد بل من المؤشرات الواضحة على كفاءته و حسن إدارته لمنظمته.. فالشخصية القوية هي التي تحقق الإنجازات تلو الإنجازات دون رفع الشعارات البراقة من غير عمل حقيقي يذكر بل من أولى الخطوات لبناء الشخصية القيادية الفعلي هو أن تنجز ولو بمقدار قليل.. ولا شك لأن الحديث عن إنجازات أمير المؤمنين وانتصاراته قد ملأ و وسع الخافقين.
فعندما اقصى أمير المؤمنين عن الخلافة الظاهرية توجد هناك مئات الشواهد التي دلت على البعد القوي لشخصيته في إنجازاته و التمحور حوله.. فبالرغم من أنه لم يكن بشكل رسمي خليفة للمسلمين إلا أن تصرف الخلفاء والأصحاب بالرجوع اليه لحل المئات من المعضلات والمشاكل وأخذ النصائح والفتاوي والقضاء والمشورة.. خير شاهد على أن الإنجازات لما كانت لتتحقق للدولة الإسلامية الا بوجوده ويكفي قول عمر بن الخطاب في قضية معروف انه قال:( لا أبقاني الله المعضلة ليس لها اباالحسن ) وقال ( لولا علي لهلك عمر).
رابعا-الهيبة: من طبيعة الحياة أن تفرض على القائد كثيرا من العوائق المادية والمعنوية التي تشكل اثرا سلبيا على سيره وحركته وتحقيق أهدافه ولكن إذا تسلح القائد بقوة الشخصية وهيبتها إستطاع أن يجتاز بها وبمن يقودهم من عنصر التعويض والتراجع الى التقدم والتدافع.. لذلك على القائد أن يتحصن بالهيبة وهذا ما نشهده عند أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث تتميز به هذه الصفة الفريدة فقد قرنت قوة ارادته بهيبة الشخصية وفرضت مهابة على الاقربين الموالين و حتى الأعداء والمنافقين يقول ابن عباس المقرب جدا من الأمام {كان امير المؤمنين إذا أطرق هينا أن نبتدئه بالكلام}.
فلم يكن يوما أمير المؤمنين مثلنا في الاستسلام والعزيمة بل كان القدوة الصالحة والأسوة الحسنة والمثل الأعلى فهو لم يحن هامته لاكبر أزمة واجهته، بل وقف يواجهها بروح عالية وبصدر كبير و كقائد مقتدر.
اضافةتعليق
التعليقات