هبط آدم وهبطت معه نخلة باسقة معطاءة وقوية، لا تحنيها الرياح، كانت تسند نفسها بنفسها، سمّاها الإنسان عمته، لأنها قريبة وكريمة كشخص قريب منا ووفي.
كانت تلك هبة العراق؛ (النخلة) والتي كانت نموذجا غنيا، وكانت الحاجة لإصدار الكثير من تلك النخلة الأسطورة، فتماثلت العراقيات بتكوين النخلة وكانت قوية صامدة مثلها تنثر العطاء وتجابه القدر، وتغمرنا بظلها دون ملل.
عانت المرأة العراقية من سيادة وظلام الحروب والأزمات كثيراً وأبدعت في تجاوزها وتخطيها، لم تكن مرفهة ناعمة تخشى غياب الرفاهية بل كانت سيدة جسورة معطاة تبدع في كل مجال، بداية من عنايتها لعائلتها وإلى عملها خارج البيت وأحياناً خوضها الكثير من المجالات، لم تترك الخياطة لتلبس أطفالها حلة جديدة ولم تخشَ حرارة النار لتضع يدها في تنور فخار عند أزمات الغاز السائل، وحتى في النزوح فهي أصعب فترة خسرت فيها المرأة العراقية الكثير، وكانت العراقية رائدة في الخدمة الاجتماعية وتوفير المستلزمات التي يحتاجها النازحون والأيتام، وبذات الوقت هي نحلة نشيطة تصارع في عدة جبهات.
ومن هذا المنبع تطرقنا بأسئلتنا نحو عدد من السيدات اللواتي صارعن الحياة وأشرقن بسماء العراق لامعات قويات، لنلقي الضوء على ابداعاتهن التي طالما كانت بصمة وكأنها الجندي المجهول. وبداية توجهنا إلى كاتبة السيناريو شروق الأنصاري حيث قالت: بالنسبة لتجربتي في الموازنة بين عملي ومسؤولياتي تجاه عائلتي فكان الأمر سهل علي والحمد لله، فأنا انظم وقتي بين عائلتي وتفرغي للكتابة ودائما أفضل الكتابة اما ليلا عندما انهي عملي وينام أطفالي أو في الصباح الباكر فأنا اعتدت النهوض باكرا مع أطفالي لذهابهم إلى مدارسهم فأخصص بعض الوقت للكتابة وبعدها انهي اعمالي المنزلية وان كان لي وقت فراغ أعود للكتابة مجددا، وفي بعض الأحيان تأتيني الأفكار وانا أقوم بأعمال البيت فاترك عملي وأدوّن هذه الأفكار.
وعملي أنا ربة بيت وكاتبة، أنا فخورة بنفسي لأني نهضت من الركام وبنيت شخصيتي بنفسي رغم قسوة الظروف وقيود المجتمع الذي يحيطني لكني كان يجب أن أكون والحمد لله أنا أسير بخطوات هادئة ومدروسة وواثقة.
وانتقلنا إلى شخصية ثانية معطاءة تعمل بمثابرة واجتهاد كبير وهي زهراء ناجي، وطلبنا منها أن تحدثنا عن تجربتها: انا معلمة تربية فنية، ارسم على الزجاج والخشب وأعمال يدوية متفرقة وكاتبة لنصوص نثرية، صدر لي كتاب السنة الماضية واسمه: أجنحة من أوراق الخريف.
لي نصوص نشرت في العديد من الصحف الورقية والالكترونية، أحاول قدر ما استطيع أن أوازن بين عملي ومسؤوليات البيت والعائلة، أجد في بعض الأحيان صعوبة في ذلك، مرات أشعر اني مقصرة في بعض الأحيان ولكنني أعود للمثابرة، وقد شاركت بكثير من الحملات والبازارات لدعم ومساعده الأيتام، خاصة حملات القادة والشباب المتطوعين لمساعده الأيتام، وشاركت بالكثير من المعارض للرسومات والاعمال اليدوية.
أريد أن اربي بناتي على أن يحترمن شخصهن ونفسهن أولا قبل كل شيء، وان يكنّ مؤمنات وان المرأة ليست كائنا ضعيفا مستضعفا انما في داخلها تستجمع كل القوى في هذا العالم وإذا أرادت شيء تحققه مهما طال الوقت.
وشاركتنا أزهار الأنصاري تجربتها الناجحة وهي مدرسة حاسوب وكاتبة ولها مؤلفات قصصية: بصراحة لم أواجه عقبات أو بالأحرى لم أواجه صعوبات بذلك المستوى ليستوجب مني خوض معركة، ان كل ما أعيشه حقيقي مع من حولي، وان كانت هناك صعوبات من الضروري مواجهتها بالتالي لبلوغ أهدافنا والحمد لله دائما، والحمد لله فخورة بنفسي لأنني تمكنت من ترجمة بعض من أحلامي على ارض الواقع وسأكون أكثر نجاحا بتحقيق كل حلم ..
وأضافت السيدة نقاء محسن إلى تحقيقنا جزء من انجازاتها:
كل له تجربة قد تكون متعبة حد الإجهاد ولكنها تستحق، بالنسبة لعملي الأول كتربوية، اعمل مدرسة اقتصاد، انظر لعملي وكأنه حب من نوع أخر، في تعاملي مع التلاميذ أتجرد من منزلي وحياتي، واضح جداً كم نحتاج إلى المهارات في هذا العمل وفن التواصل مع الطلبة، نحن نحتاج إلى وضع صيغة التوازن في حياتنا، بمعنى واخر أن تفصل وقت العمل عن وقت المنزل.
عملي الاخر، والذي مارسته خلال السنوات القليلة الماضية، وهو اني رئيسة تحرير لمجلة الشرق كذلك مجلة المرأة العراقية، البداية كانت صعبة وذلك لزخم العمل ولكنني بعون الله استطعت أن أضع الركائز الأولى له، ربما مررت بصعوبات كثيرة ولكنني اجتزتها، العائلة صديقتي وهي مساحة الود التي لا يمكن التفريط بها، فمهما ارتفع سقف طموحاتك لابد أن تكون هي في قمتها .
وبما أن الأعلام يتيح لنا فرصة لتقديم المساعدة بشكل او بآخر، كذلك عملي في المدرسة، علما اني لا أحبذ أن اذكر ما هو نوع المساعدة لكن الحمد لله وفقنا في مساعدة الكثير وطبعا لم يكن هو جهدي فقط، قمنا هذا العام بسوق خيري للطلبة المتعففين، كذلك الأموال التي جمعت تم إرسالها إلى نازحي الموصل وكان هذا السوق باجتهاد الطلبة والإدارة المدرسية، ناهيك عن مساعدات كثيرة ولا زالت حتى الآن .
أما انجازاتي في كتابة النصوص والقصائد فهي كثيرة ولازلتُ أتسلق جدار الأدب من جميع أبوابه للوصول إلى هدفي.
وبزيارة قصيرة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية إلتقينا بالسيدة هالة القيسي/ مسؤولة شعبة في مكتب المفتش العام لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية التي حدثتنا مشكورة:
في الحقيقة ان التوازن بين العمل والعائلة يحتاج إلى عزيمة وتنظيم للوقت، فبالنسبة لي عائلتي هم بالمقدمة مهما كانت أهمية عملي بشرط أنني لا أهمل أو اقصر في عملي لأنه أمانة ثانية على عاتقي، فبالرغم من أن الوقت الذي اقضيه في المنزل مع عائلتي قصير فأنا اعتبر نفسي فعالة ومؤثرة ومؤدية لكل واجباتي تجاه عائلتي وبايجابية أكثر من أي امرأة تقضي كل وقتها في المنزل.
قدمت عدة خدمات سواء كانت مادية أو اجتماعية أو معنوية من خلال التواصل الاجتماعي أو الأصدقاء الفعالين في هذا المجال خصوصاً وانا اعمل في وزارة خدمية.
وفي نموذج متميز من الإبداع تمثل لنا في شخص الدكتورة سلاهب الغرابي/ باحثة في علم النفس ومهندسة مدنية وكاتبة ولها مؤلفات فلسفية قيمة، وجهنا لها سؤالنا وهو كيف واجهتِ العقبات:
تمكنت من مواجهة الصعاب بقوتي الكامنة المرهونة بِحُسن الظن والتوكل على الله -عزَّ وجلَّ-، والتحلي بالصبر وعدم الاستسلام أو اليأس بل اعتدت على أن أتصدى لعقبات الحياة المعرقلة لطموحي من خلال التوقع الإيجابي وإيجاد الحلول الممكنة بالتركيز والتخطيط المرن للمستقبل وعدم اضاعة الوقت في الحزن واليأس أمام التجارب الفاشلة.
من العقبات اكتسبت إصراري لتقديم أفضل ما لديَّ، وكان الفضل في تشجيعي من بعد الله -جلَّ ثناؤه- عائلتي الداعمة للعلم والتعليم وكنت ولا أزال استمد منهم طاقة ايجابية، وبالتأكيد فخورة جداً بنفسي لأني أسعى أن أتنافس مع نسختي السابقة واجتهد لأكون في حال أفضل.
نماذج قليلة من نساء نحتن وجودهن بحجر المجتمع العراقي والنقش في الحجر لا يُمحى بسهولة، تحية حب للعراقية الشامخة.
اضافةتعليق
التعليقات