هل جرّبت من قبل أن تتحدث إلى مسمار مغروس في قطعة من الخشب؟! إنه لا يتحرك، ولا يومئ برأسه، ولا يقول: "آه... هاه"، ولا يبتسم. إنه يقف مكانه دون حراك حتى تنتهي من حديثك.
يا أيها الرجال، مع كل احترامي الواجب لكم، إنكم تستمعون مثل مسمار صامت، وهو ما يُعتبر أمراً عظيماً حين الاستماع إلى رجال آخرين. وهذا ما تعلمتموه في فن الاستماع، وهذه هي العلامة التي تعطونها للرجال الآخرين كدليل على أنكم تستمعون. ومع ذلك، إذا كنتَ - يا عزيزي الرجل - تستمع بهذه الطريقة إلى امرأة، فسوف تهمّ بإمساك مطرقة لكي تعطي المسمار، الذي هو أنت، ضربة على رأسه، وتصرخ قائلة: لماذا لا تستمع إليّ؟
في العام الماضي، كنتُ أتحدث في مؤتمر كبير لرائدات الحركة النسائية في المكسيك، وحضره بضع مئات من النساء، وعدد قليل جداً من الرجال الشجعان، من أزواج بعض أولئك النساء، بالإضافة إلى من حضروا للاستمتاع بالشمس والشواطئ. وعُقدت عشر جلسات متزامنة للنساء، وجلسة واحدة للرجال عن موضوعات تتفاوت من إدارة الأعمال إلى الروحانيات، وكانت تُعقد في أي وقت.
لقد حضرتُ مجموعة متنوعة من جلسات المناقشة، ولكن في اليوم الأخير كانت هناك جلسة لفتت نظري، وكانت مخصصة للرجال بعنوان: "الحياة مع امرأة ناجحة".
إذ لم تكن ثمة استعدادات لهذا الأمر، لذا خمنتُ أن الرجال لم يكونوا راغبين في أن تسمع زوجاتهم، أو غيرهن ممن يهمهن الأمر، كل هذا التعاطف بين الرجال، وهذا الهجوم على النساء. لقد اكتشفتُ فيما بعد أنه لم يكن هناك أي شيء من هذه الجزئية الأخيرة، بل العكس تماماً، فلقد كان هذا الحشد الملحوظ من الرجال يشعرون بالفخر لزوجاتهم الناجحات، لا سيما ما قاله أحد الرجال تعليقاً على ما وجده في إقرار البنك الشهري لحساب شركته بفضل نشاط زوجته.
إن صورة الرجل المستمع هي صورة ثابتة جامدة. وصورة المرأة المستمعة هي صورة متحركة نابضة بالحيوية. وحينما يريد الجذّابون للناس أن يتوقف الجنس الآخر عن قول: "إنك لا تستمع إليّ"، فعليهم ببساطة أن يمارسوا الاستماع المتبادل بين الجنسين.
وكان منظم الاجتماع كريماً معي، إذ دعاني لحضور الاجتماع، فقبلت، ولكني اشترطت ألا يكون هناك اعتراض من جانب المشاركين، حتى لا أكون مجرد شخص غير مرغوب فيه، وكذلك حتى لا يُثبط وجودي حماس الرجال للحديث عن النساء. لذا، جلستُ مختبئة وراء شاشة كبيرة، حيث كان بإمكاني أن أسمع ما يقوله الحاضرون دون أن يروني.
في بداية الجلسة، اقترح منظمها على كل رجل أن يقدّم نفسه ويتحدث عن شريكته الناجحة وعلاقته بها. فبدأ أول الرجال في الحديث... وتحدث... وتحدث. ولا بد أنه استرسل في الحديث لمدة عشر دقائق تقريباً، فبدأت أتساءل عمّا إذا كان الرجال الآخرون قد غادروا المكان، لأنني لم أسمع أي صوت آخر. فلا كلمة "آه... هاه"، ولا تعليقات، ولا أسئلة، ولا أي شيء. فهل خرجوا؟!
ولكن كلا. فقد تبيّن سريعاً أن كل رجل كان يتحدث بدوره، وتلك الأصوات الصغيرة من الضوضاء أو الهمهمات التي نُصدرها نحن النساء لنُظهر مساندتنا للمتحدث، كانت غائبة بشكل واضح في حوار الرجال، أو ربما يجب أن أقول: أثناء الحديث الفردي لكل رجل على حدة!
عجباً! لقد قلت في نفسي: هذا أمر غير طبيعي. وإنني دهشتُ من هذه الظاهرة حقاً، لدرجة أنني بعد انتهاء المؤتمر، وعودتي إلى مكتبي، انكببتُ على مجموعة من الدراسات عن أدب الاستماع عند الذكور والإناث، واطلعت على بعض النتائج التي بصّرتني بأمور مهمة.
هل تظن أن النساء أفضل كمستمعات؟ هذا غير صحيح! ولكن غاية ما في الأمر أننا، معشر النساء، نستمع بشكل مختلف عن الرجال. فإننا نُومئ برؤوسنا بشكل مستمر، حتى نجعل المتحدث يعرف أننا نستمع إليه. كما أننا نُصدر أصوات همهمات للمساندة والتشجيع، حتى يتأكد المتحدث أننا نفهم ما يقول. وحتى ذلك الوقت، لم أكن أعتبر طريقتي البريئة في متابعة أقوال محدثي ضرباً من المقاطعة. ولكن، للأسف، فإن كثيراً من الرجال يعتبرونها كذلك! فكنَّ حذرات يا أخواتي النساء؛ فإن علينا أن نتبع أسلوباً في الاستماع يختلف عما تعودنا عليه، عندما يكون المتحدثون رجالاً. وكذلك يجب أن يفعل الرجال حينما يتحدثون إلينا.
وبالعكس، فإن الرجال يُومئون برؤوسهم عندما يتفقون مع كلام المتحدث، وربما يُجادلون قائلين: إن الأسلوب الرجولي في الاستماع أفضل وأرقى، لأنه لا يتعلق باستجابات لحظية أو وقتية.
والآن، هل تظن أن النساء يتكلمن أكثر من الرجال؟ مرة أخرى أقول: هذا غير صحيح. فالرجال يتحدثون أكثر من النساء في العمل، وبالنسبة للرجال، فإن الكلام يُعتبر صورة من التنافس وإظهار الأفكار في مقابل أفكار الآخرين.
وحينما يعود الرجال إلى بيوتهم، فإن حالة الصمت أو "الخرس المنزلي" التي يُبدونها تعني أنهم قد حصلوا على إجازة من الكلام، ولم يعودوا مضطرين للتنافس مع أحد. أما النساء، فيُقاطع بعضهن بعضاً بدرجة أكبر، بطريقة غير تنافسية، وتهدف هذه الطريقة إلى إظهار التشجيع والمؤازرة. وهكذا نرفع رؤوسنا ونخفضها بشكل مستمر، وبإيماءات متكررة بالرأس، ولسان حالنا يقول: "إنني أفهم ما تقول!"
وبالمناسبة، حينما نتحدث عن اللغة، فإن ما قد يُعتبر جيداً في الغرب، قد لا يُعتبر كذلك في الشرق، والعكس صحيح. فمثلاً، إذا كنتَ في أقصى الغرب، فاجعل نصائحك اللغوية في قالب ياباني، أو على الأقل أضف إليها مسحة يابانية. ولأضرب مثالاً على ذلك: نفرض أنك أم أمريكية، وفوجئتِ بطفلك الصغير وقد تسلل إلى المطبخ، وفتح الثلاجة خلسة، وأخذ منها عدداً من البيض النيئ، ثم بدأ يُسقطه على الأرض، البيضة تلو الأخرى. فرد الفعل الطبيعي لديكِ أن تهتاج أعصابكِ، أو على أقل تقدير تقولين: لا، قف!
أما الأم اليابانية، من الناحية الأخرى، فإنها تشعر - حسب التقاليد اليابانية - أن قول "لا" يعني أن تفقد مكانتها، بينما تعني المناقشة الهادئة اكتساب المكانة والانسجام المعنوي. لذا، ففي مثل الحالة التي ذكرتُها تواً، نجد الأم اليابانية تقول لطفلها الصغير: "أوه، أليس هذا أمراً مثيراً؟! من أسقط البيض على الأرض يا كيكو؟ هل تعرف أحداً يفعل هذا؟ هل رأيت أحداً من قبل فعل مثل هذا؟ إن السيد بيضة يتألم ويقول: آي!"
نصيحة للنساء فقط: (استمعي كأنكِ مسمار)
حينما أستمع إلى أحد الرجال، فسوف أوقف تلك الإيماءات المستمرة، وتلك الهمهمات الدعمية الصغيرة مثل: "آه... هاه"، و"نعم"، و"أوه"، وغير ذلك من الأصوات التي قد تجعله يظن أنني أقاطعه! (تخيلي ذلك). وسوف أُدخل في ذهني أنني إذا ما وقفت فقط أنظر إليه بينما هو يتحدث، فسوف يعتقد أنني مستمعة عظيمة.
وفي الواقع، إن رجلاً يابانياً محترماً يدعى "أويدا" قد كتب مقالة بعنوان: "١٦ طريقة لتتجنب قول لا في اليابان"، ولقد كان الرجل جاداً.
نصيحة للرجال فقط: (استمع وأنت تُومئ باستمرار)
لكي أجعل إحدى النساء تعرف أنني أستمع إليها، فسوف أُنثر في حديثي معها بعض الألفاظ أو التعبيرات الدعمية مثل: "آه... هاه"، و"نعم، إنني أفهم"... إلخ. وسوف أُومئ برأسي أيضاً، لتتأكد أنني أفهم ما تقوله، وسوف أُدخل في ذهني أن الإيماء بالرأس لا يعني أنني أتفق معها في الرأي.
اضافةتعليق
التعليقات