في عالمنا المتسارع، حيث تتزاحم الأصوات وتتصارع الآراء، يبرز الإنصات كمهارة أساسية للتواصل الفعال وبناء علاقات صحية. فالإنصات ليس مجرد سماع الكلمات، بل هو فن يتطلب حضورًا ذهنيًا وتركيزًا واهتمامًا حقيقيًا بالمتحدث.
فيكتور فرانكل، أحد رواد علم النفس في القرن العشرين، لم يكن مجرد طبيب نفسي؛ بل كان إنساناً مَر بتجارب قاسية غيّرت مفهومه للحياة والمعنى. نجا فرانكل من معسكرات الإعتقال التابعة للنظام الألماني، وقد خرج من تلك التجربة بواحد من أكثر الكتب إلهاماً وتغييراً للحياة، ألا وهو "بحث الإنسان عن المعنى".
هذا الكتاب يحمل رسالة عميقة عن البحث عن المعنى وسط الألم والمعاناة، ويُعد من الكتب التي يتعين على الجميع قراءتها.
وفي أحد صفحاته كان يروي لنا هذهِ القصة التي توضح لنا أهمية التواصل الفعال والإستماع الجيد وقوة التأثير للطرف المقابل.
في أحد ليالي منتصف الليل، تلقى فرانكل مكالمة من سيدة كانت تعيش أزمة نفسية حادة وتحدثت إليه بصوت هادئ، تخبره بأنها تنوي إنهاء حياتها. وبروح عالم النفس المخلص لرسالته الإنسانية، بقي فرانكل على الهاتف وتبادل معها الحديث مطولاً عن اكتئابها (Depression) وألمها. قدّم لها، واحداً تلو الآخر، أسباباً للاستمرار والتمسك بالحياة. وبعد حوار طويل، وعدت السيدة بأنها لن تتخذ تلك الخطوة المأساوية، ووفَت بوعدها.
حين التقيا بعد فترة، استفسر فرانكل عن السبب الذي أقنعها فعلاً بمواصلة الحياة. هل كان أحد تلك الأسباب التي عرضها عليها؟ فأجابت بصراحة بأنها لم تتأثر بأي منها. ألحّ فرانكل في سؤاله، راغباً في معرفة ما الذي جعلها تتشبث بالحياة إذاً.
فجاءت إجابتها ببساطة: أن فرانكل استمع إليها!..
وهنا يتضح لنا إن إدراكها بأن هناك من هو مستعد ليصغي إلى معاناتها، خاصة في ساعة متأخرة من الليل، جعلها تشعر أن العالم لا يزال مكاناً يستحق العيش فيه! هذا الشعور بالدعم والتعاطف من شخصٍ غريب، ولكنه مُنصت، غرس فيها قوة داخلية غيرت مسار حياتها.
لذا فإن إدراك أهمية تعزيز ثقافة الإنصات في المجتمع يتطلب جهودًا مشتركة من الأفراد والمؤسسات. إذ يجب أن نربي أبناءنا على أهمية الإنصات وأن نشجعهم على ممارسته في حياتهم اليومية. كما يجب أن تعمل المؤسسات التعليمية والإعلامية على نشر الوعي بأهمية الإنصات وتوفير الأدوات والتدريب اللازم لتطوير هذه المهارة.
اضافةتعليق
التعليقات