الاستلاب هي عملية سلب الكرامة بتخطيط منهجي، للسيطرة والهيمنة على الإنسان، فيصبح خاضعاً بلا قيمة، وتوجد أشكال متعددة للإستلاب، منها الجسدي، مثلاً حين يوضع الإنسان في السجن، وهناك استلاب نفسي حيث يحطم الإنسان نفسياً، في عملية الاستهزاء والسخرية وتحطيم شخصيته، كذلك يوجد استلاب ثقافي، يقوم على التضليل عبر التثقيف الذي يؤدي الى تنميط أفكاره والتحكم بسلوكياته واسقاطه في مستنقع الانحراف.
أ- الإستلاب الأخلاقي
هناك استلاب أخلاقي حين يوضع الإنسان في حاضنة مليئة بالشرور والرذائل، أي لا تتوفر له فرصة لكي ينمو بطريقة صحيحة حتى ينشأ على الفضائل الجيدة، ولكنه ينشأ في حاضنة مليئة بالرذائل كالسرقة والكذب والخيانة وشرب الخمر والانحراف الجنسي، فإنّ هذا كله يمثل استلاباً اخلاقياً لكرامته.
وعن الامام علي (عليه السلام): «لِكُلِّ شَيْءٍ فَضِيلَةٌ وَفَضِيلَةُ الْكَرَمِ اصْطِنَاعُ الرِّجَالِ»، ومنهج اللئام استلاب الفضائل وترسيخ الرذائل وتدمير الشخصية ومسخها.
الإستلاب عملية منهجية يقوم بها البعض من الذين في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا، يرتشفون الغرائز والشهوات، ليس لديه إيمان بالمسؤولية وبالحساب في الآخرة ولا بالضمير والفطرة الإنسانية، يريد أن يعيش حياته على الغرائزية والحيوانية، ولا يكتفي بنفسه بل يقوم بعملية فرض الإستلاب بهذه الطريقة وإفساد الآخرين.
وهذا النوع من الإستلاب خطير جداً لأنه يحطم كرامة الإنسان بسلب هويته الفطرية، لذا نلاحظ اليوم انتشار الانحراف الأخلاقي بشكل كبير في بعض المجتمعات، بسبب وجود مؤسسات هائلة تقوم بإيجاد حاضنات شريرة تختص في عملية الإستلاب الأخلاقي، فترى الإنسان يفقد الإحساس بقيمته، ذليل وليس لديه عزة ولا إنسانية، فيعيش منفرداً في عالم منعزل وخاص به، بلا أي إحساس ولا أي شعور بوجوده ولا بوجود الآخرين، وفقدان أي تفاعل أو تعاطف أو مشاعر تجاههم.
إن الأنظمة الرأسمالية، بالخصوص، تسعى إلى جعل الانسان مجرد سلعة ومستهلك للسلع، لذلك تقوم تلك الأنظمة ومؤسساتها المعنية بعملية ضخ ثقافي سيء، حتى يؤدي ذلك الى إستلاب فهم الإنسان ووعيه وتفكيك قدرته على الإدراك الواعي فيبقى الإنسان مستلب الكرامة، ومستهلكاً، يأكل ويشرب ويشتري ويستهلك بشكل دائم، كما أن الرأسماليين ذاهبون الى أمور أبعد في هذا المجال، باستلاب المشاعر الانسانية، فالكرامة مرادفة للشعور، حيث يشعر الانسان بوجوده وانتمائه وهويته، لذلك يذهب الرأسماليون الى عملية استلاب كامل، فيصبح مجرد كائن مادي يسيطرون عليه ويحولونه إلى مستهلك دائم وبالنتيجة تتنامى أرباحهم في هذا المجال.
ب - الإستلاب السياسي
بعض الأنظمة الإستبدادية تقوم بعملية مسخ لهوية الإنسان، وتجعله خائفاً، وهذه أسوأ مراتب الإستلاب، حيث الهيمنة التامة التي تجعل الإنسان خائفاً، ويردد ترانيم الخوف، خاضعا للحاكم الذي يتباهي كما كان يقول فرعون: (أنا ربكم الأعلى)، فيصبح ذليلاً للسلطان الذي ينازع الله في سلطته، فالطاغية يريد أن يجعل البشر بلا كرامة ، يمحو هويتهم الإنسانية فيجعل بعضهم كذاباً أو خائناً أو منافقاً أو نماماً، يعمل ضد أصدقائه وعائلته ومجتمعه، مما يجعله بؤرة لكل الرذائل".
ج - الإستلاب الثقافي في قضية الامام الحسين (عليه السلام) نواجه تحديا كبيرا في عملية الإستلاب الثقافي، حيث تقوم جهات في ضخ ثقافات وسلوكيات ممنهجة، فيهيمون بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وهذا يؤدي الى إستلاب الهوية، لذلك نلاحظ أن جميع الطغاة يعملون ضد القضية الحسينية، لأنها تؤدي إلى حماية هوية الانسان والدفاع عن كرامته، لذلك نسعى في أيام عاشوراء لتجديد بناء الكرامة الانسانية، والوقوف أمام الإستلاب الثقافي، من خلال تطوير عملية البناء الثقافي واستثمار القيم الحسينية العظيمة، ومنها الشعائر الحسينية التي هي من مظاهر التعبير عن الهوية والشعور بالوجود والانتماء والإحساس الاجتماعي.
مقتبس من كتاب الامام الحسين (عليه السلام) تحرير العقول وهداية القلوب لسماحة الشيخ مرتضى معاش
اضافةتعليق
التعليقات