تتمثل المرونة النفسية بامتلاك القدرة على التعامل مع المشاعر وحيث إن المشاعر هي نتيجة أفكار وطرق تفكير، وقناعات وسلوكيات وعوامل بيولوجية، فإن تحسينها يكون من خلال التعامل المباشر وغير المباشر مع تلك العوامل.
فالفكرة مثلا تصنع مشاعر، فتحفز على الفعل أو التجنب، في ذات الوقت يتفاعل الجسد، كما أن السلوك والجسد يصنعان مشاعر أيضًا؛ ولهذا فلتحسين المرونة النفسية ينبغي التعامل مع الفكرة، أو الفعل، أو الجسد، أو معهم جميعا. هذه الخطوات ليست لمرة واحدة، بل هي قناعات وعادات تفكير وسلوك، ينبغي أن يتعلمها الشخص ويمارسها ويحولها إلى أسلوب حياة.
في هذه الخطوة ستجد تفصيلا لها، ولأهميتها، ولطريقة تنفيذها، ليس من الضروري أن تتقن كل تلك الخطوات، بل اختر منها ما تجد نفسك قادرًا على جعلها ضمن عاداتك ونظام حياتك...
١-خَفِّف قلقك السلبي: هنا لا أتحدث عن اضطرابات القلق المرضية، بل عن ذلك القلق السلبي الذي يعاني منه الكثير، والذي قد يتحول لاضطراب نفسي! صحيح أن وجود شيء من القلق الإيجابي سيكون مهما؛ لكي ننجز بشكل أفضل، ولكي نتخذ وسائل تحمي حياتنا الصحية والمالية والمهنية والاجتماعية من التدهور والفشل، سيكون مقبولا حين يكون هنالك مشكلة محددة ومنطقية تكون قابلة للتحكم، حينها قد يكون هذا القلق محفزًا للبحث عن حلول، ولكن المبالغة في ذلك يحول القلق إلى مصدر للمعاناة والتعاسة والأمراض. كثير من المشكلات التي يفكر فيها البعض - وتأخذ منهم جهدًا نفسيا، وتضيع أوقاتهم تكون في معظم الأحيان مجرد أفكار في عقولهم، وليست أحداثاً واقعة في حياتهم! وكما أشارت إحدى الدراسات فإن %۹۰ مما نقلق بشأنه لا يحدث!
ماذا لو؟
يبدأ الشخص قلقه السلبي بـ (ماذا لو؟)، ثم يفترض افتراضات لم تقع، ثم يصدقها ويعيش معها، وينسج منها خيالات وسيناريوهات تجعل من لحظته ومن يومه كابوسًا لا يُطاق. فحين يقلق بشأن أمور خارج نطاق سيطرته، فلن يمنع ذلك حدوثها، ولكنه سيعيشها بتفكيره كما لو كانت واقعا. يمارس نوعًا مختلفًا من التأمل، فيطيل تأمله في الأفكار المخيفة والمقلقة، يبحر فيها ويغوص في أعماقها، هو بذلك يوهم نفسه بأنه يحكم سيطرته على الأمر الذي يقلق بشأنه، لكن ذلك لن يزيده إلا قلقًا وتوترًا، يستمر ذلك القلق ويكبر كما تكبر كرة الثلج كلما استمر هو بتغذيته. يقوم بمحاولات كثيرة للتأكد يجمع معلومات كثيرة، ولكن ذلك قد يفتح عليه بابا للمعلومات الخاطئة والسلبية؛ فيزيد القلق!.
القلق السلبي يوهم صاحبه بأنه يسيطر على أمور حياته، قد يعطيه شعورًا بالتحكم، لكنه في الحقيقة شعور خادع لن يعطيه شيئا، بل سيأخذ منه راحته وصحته، ويسرق سعادته. يجعله يضخم توقعه للحدث السلبي، ويقلل من قدرته على التعامل معه لو حدث. وكلا التوقعين في الغالب مجرد وهم لكن أكثر شيء يؤلم الشخص هو معرفته التامة بأن الفكرة المقلقة قد تكون تافهة جدا، ومع ذلك لا يستطيع التوقف عن القلق بشأنها.
ومما يؤلم أيضًا أن الشخص قد يعيش الأزمة ثلاث مرات: مرة قبل حدوثها (قلق)، ومرة أثناء حدوثها (ضغط نفسي طبيعي)، ومرة بعد انتهائها (حزن وضيق دائم)، الثانية طبيعية، بينما الأولى والثالثة مضيعة للوقت، مهلكة للتفكير، منهكة للروح. كيف يمكن تخفيف القلق السلبي؟ من الناحية البيولوجية فإن خوفك وقلقك يتحكم به - غالبا - منطقة لوزة الدماغ Amygdala وهي منطقة صغيرة جدا، ولكي تخفف القلق يمكنك تخفيف نشاطها، وزيادة نشاط المنطقة الأمامية من الدماغ PFC عبر عدد من الخطوات منها:
١-قو إيمانك بالله، وتوكل عليه، وتذكر أن كل الأمور بيده، وأن ليس عليك سوى فعل الأسباب.
٢-تذكر أنك قد لا تتمكن من معرفة كل شيء عن مسار بعض أمور حياتك وأحداثها، وقد لا يمكنك التأكد التام من كل جوانبها، تقبل هذا الشعور.
٣-قد تكون محاولتك لاكتساب الشجاعة أفضل من مجرد محاولة تخفيف القلق والخوف، تعلم كيف تكون قويا واثقا.
٤- قم بتخصيص (وقت القلق) حيث يوصي به بعض المختصين، فحين تقلق بشأن شيء محدد - يشغل بالك معظم الوقت - جدد ثلث ساعة يوميا لتعيش ذلك القلق من خلال التفكير في أسبابه والبحث عن حلول، هذا قد يساعدك لتبقى معظم اليوم مركزا على بقية أمور حياتك .
٥-حين تقلق قد تقوم باجترار الفكرة المقلقة Rumination فتفكر في المشكلة أو الشيء المقلق من الطبيعي أن تمر بذلك بعض الوقت، لكن عليك الانتقال إلى تقنية حل المشكلة problem solving skills، أي الانتقال من مجرد مناقشة المشكلة إلى البحث عن حل.
٦-في الوقت الذي تلاحظ أنك تتحاور مع نفسك بطريقة قلقة، وبتفكير سلبي اصرخ بأعلى صوت توقف Stop»، طريقة طريفة، ومع ذلك يوصي بها بعض المختصين.
٧-اسأل نفسك: هل ما يقلقني شيء واقع في حياتي؟ أم مجرد خيال وأفكار؟ إذا كان مجرد خيال وأفكار وهو الغالب فحاول القيام مباشرة بتحويل تفكيرك وتركيزك إلى التفكير في أي أمر آخر مهم، أو إلى فعل شيء محدد؛ فالعقل لا يمكن أن يفكر في شيئين في نفس اللحظة، لكن حين تقلق بشأن أمر معين فطبق مهارات التعامل مع المشكلات.
٨-حين تكون الفكرة المقلقة مجرد وهم، قم بتشتيتها من خلال التركيز على أي شي آخر حتى لو كان بسيطا، كأن تعد تنازليا من 100 إلى 1، أو تلعب بتوازن أي لعبة بجوالك، أو تجري اتصالاً بأي شخص دون أن تتحدث عما يقلقك.
٩-تنفس بعمق، وكرر ذلك عدة مرات خلال اليوم؛ فلذلك تأثير مباشر على تخفيف النشاط السلبي للوزة الدماغ المسؤولة عن الخوف والقلق.
۱۰-مارس أي نوع من الرياضة؛ فلها تأثير إيجابي مباشر على تخفيف هرمونات التوتر التي تسبب زيادة القلق.
١١-شعورك بالقلق والخوف السلبي قد يكون أشبه بالعادة العقلية التي تمارسها بدون إدراك كامل، مع ذلك يمكنك اكتساب عادة عقلية مضادة، مثل الهدوء والسلام الداخلي، حدد وقتا يوميا ترفع فيه درجة انتباهك لما هو باعث على الهدوء والطمأنينة من حولك، مارس ما يعرف بالتيقظ الذهني Mindfulness باستخدام حواسك، كأن تركز على ما ترى أمامك، وما تسمع من أصوات.
١٢-اكتب الأمور التي قلقت جدا بشأنها خلال الشهر الماضي، ثم حدد الذي حدث منها، ستجد أن معظمها لم يحدث، والذي حدث منها قد تجد أنك تمكنت - غالبا - من التغلب عليه مجرد تذكر ذلك قد يساعدك أن تكون أكثر تفاؤلا .
١٣-قد تتجنب بعض الأمور الهامة وتقوم بتسويفها؛ لكونها تسبب لك القلق، وقد تماطل في ذلك، ولكن الأمر قد يزداد سوءا؛ لذا واجه مخاوفك، وتعامل معها بشكل مباشر ومتدرج.
١٤-شعورك بالقلق بشأن أمر معين قد يكون نتيجة قصة تخيلية تسردها لنفسك وتتوقع حدوثها! جرب أن تقص على نفسك قصة إيجابية لذلك الأمر، وتخيل الصورة الجميلة التي تتمنى حدوثها.
١٥-مقاومة وصراع وكبت الفكرة المقلقة قد يكون أهم أسباب تضخمها، انتقل من مقاومتها إلى تقبلها ومحاولة إيجاد الحلول، فإن لم تستطع؛ فشتت تركيزك بتحويله إلى سلوك أو فكرة أخرى.
١٦- قد يكون من المهم أن تناقش الموضوع الذي يسبب لك القلق، وتبذل جهدك في التأكد، ولكن ينبغي أن تحدد لذلك وقتا محددًا، ثم تتوقف تماما، وتتجه بتفكيرك إلى أمور حياتك الأخرى.
١٧- دومًا يمكنك مراجعة مختص يساعدك .
صاحب المرونة النفسية العالية يتقبل وجود أمور في حياته خارج نطاق سيطرته وتحكمه، يبذل جهده دوما، ولكنه في نفس الوقت لا يضيع جهده النفسي ووقته في محاولة التحكم بما لا يمكن التحكم به..
اضافةتعليق
التعليقات