تقدُّم التكنولوجيا يعتمد على جعلها مناسِبة دائمًا وبذلك فإنّك لا تستطيع ملاحظتها حتى، لأنها تغدو جزءًا من كل شيء في الحياة.
- بيل غيتس
قبل قرابة عشرة سنوات كان من الممكن أن نناقش إمكانية التحول الرقمي في القطاعات المختلفة، وما هي آثار ذلك التحول؟ وهل يمكننا عده تحولاً إيجابياً؟ كنا في تلك الأوقات نقف على عتبة حقبة ثورة تقنية استشرفها كتاب الخيال العلمي وبعض الحالمين في المجال التقني يوماً ما، أما الآن ونحن في منتصف ذلك الحلم، وقد غدت التقنية أداة من أدوات العيش توفر الرفاه والمتطلبات الأساسية للعيش فما تبقى لنا أن نسأله اليوم هو كيف ستتحول الأنظمة في العالم الرقمي؟ وبأي مدة؟
يعرّف التعليم على أنه عملية منتظمة لنقل الخبرات من جيل إلى جيل، لكن الجهود المبذولة في هذا السياق لم تعد فعالة كالسابق بسبب التغير الكبير الحاصل بين الأجيال، فجيل التقنية لا يتشارك في نفس المفاهيم والقيم مع الجيل السابق، بل حتى اللغة طرأ عليها تحولات درامية ولم تعد الكلمة فقط هي مفتاح للوصول إلى المعلومة إذ تدخل الصوت والصورة والرسم في طريقة الفهم والتواصل، لذا أضحت عملية التعليم كجهود مبذولة ممن يتحدثون لغة مغايرة تماماً عن لغة المتعلمين، فلا ينشئ ذلك الاتصال اللازم لنقل المعلومات والخبرات.
ومع الحروب والكوارث الطبيعية والأمراض التي تشل مفاصل الحياة المختلفة ظهرت التقنية كأداة تمتلك حلولاً حاسمة في هذا المجال، كما حدث في جائحة كوفيد-19، استطاعت التقنية ولعامين ضمان استمرار التعليم المدرسي والجامعي بكفاءة، وظهرت حلول تقنية تنمي الإمكانات وتوسعها، وتجعل عملية التعليم قادرة على الوصول إلى تلك المناطق البعيدة عن المدنية أو الغارقة في النزاعات، ومكنت الأشخاص من الحصول على تعليم جيد في مجالات غير متوفرة في بلادهم، كما إنها خفضت تكلفة التعليم خفضاً ملحوظاً، مع ارتفاع كلف حيازة التقنية وكلف التدريب في بادئ التحول.
ومع تزايد حضور التقنية في ميدان التعليم تولدت مشكلة أخرى لاحظنا في بلدان كثيرة ومنها البلدان العربية وجود أمية حقيقة في الفئات العمرية المولودة في الفترة السابقة لسيادة التقنية، مما أدى إلى تخلفهم في هذا المجال، وهذه الفئة هي فئة في عمر الإنتاج، ذات خبرات يجب أن تنقل للأجيال بأفضل طريقة ممكنة وبلغة هذا العصر، وهنا لا تكفي الجهود الذاتية للتطوير -مع إمكانيتها في صنع فارق – فالجهود المطلوبة حكومية، والتعاون بين الحكومات والمؤسسات المدروس والمخطط والمنضبط في التطبيق يردم هذه الفجوة السحيقة بل يولد لنا أنظمة علمية قادرة على دمج الطاقات لبث المعرفة.
ولعل استخدام منصات التواصل الاجتماعي لرفع الوعي حول أهمية التقنية وضرورة دمجها بالتعليم، وتنويع الأساليب في إيصال المعلومة هو الخطوة الأولى لخلق التغيير المأمول، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الخطط عليها أن تكون بعيدة المدى، وليس موجة رائجة سرعان ما تخبو، حيث نتوقع أن تستطيع النخب المثقفة القيام بدورها بنشر الوعي وإيقاظ البصائر حول متطلبات العصر الحالي، فما نحتاجه اليوم هو المثقف العارف بأمور حاضره والقادر على استشراف المستقبل بما لديه من كم معلوماتي، ليستطيع قيادة الأمة إلى محطات جديدة ومساعدتها على الاندماج فيها، لأن العصر الجديد بدأ فعلاً وسقطت أدواته على رؤوسنا، ولا يمكن رفضه أو النأي عنه، كل ما بإمكاننا فعله هو التمكن من تلك الأدوات لنصنع حضارتنا الرقمية الخاصة.
اضافةتعليق
التعليقات