تلعب الهمة دورا كبيرا في استنهاض الهمة والوقوف بوجه كل منتهك وباطل، وتعرف "علو الهمة على أنها استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور، وطلب المراتب السامية، واستحضار ما يجود به الإنسان عند العطية، والاستخفاف بأوساط الأمور، وطلب الغايات، والتهاون بما يملكه، وبذل ما يمكنه لمن يسأله من غير امتنان ولا اعتداد به".
ويلاحظ الجميع على مدى التاريخ بأن الشعوب التي تعرضت إلى الظلم والاستبداد وخضعت إلى حكم الطواغيت هي الشعوب الراضخة التي كانت تفتقد إلى الهمة العالية والإرادة التي تمثل الوقود الذي تقود الإنسان إلى مقاومة الظالم والتصدي له بكل الطرق الممكنة.
ولكن ضعيف الهمة غالبا يكون متكاسلا ومتباطئا في تحركاته ومواقفه لدرجة قد يدخل المحتل إلى أرضه ويحتلها وهو لم يحرك ساكنا.
والاحتلال ليس من المفترض أن يكون دائما احتلالا عسكريا يشمل الأراضي والمدن، فالعدو بات يتفنن اليوم بطرق الاحتلال ويتنوع بأساليبها ولعل من أشهرها وأخطرها هي الاحتلال الفكري.
فقد يحاول العدو اليوم بكل أساليبه الخبيثة أن يمد أذرع الباطل في جسد المجتمعات عامة، ويعمل على تحوير الأفكار الإسلامية والأصيلة إلى أفكار منحرفة وباطلة.
وبالتأكيد منع هذا الأمر يحتاج إلى همة عالية وإرادة قوية في التصدي لكل تحركات العدو الداخلية والخارجية والوقوف بوجهها ومنعها من الانتشار في المجتمع.
ولا شك أن ضعف الإرادة يخلق حاجزا بين الإنسان وتكليفه، ويمنعه من أداء واجباته الإلهية ويسبب عبور التكليف من مكانه وزمانه، وعلى أساسه يتخلف عن جبهة الحق مثلما حصل تماما مع التوابون الذين توانوا في تكليفهم ولم ينصروا إمام زمانهم في المكان والزمان المطلوبين وبذلك نصروا الباطل بخذلانهم للحق وندموا بعدها ندما شديدا، وفي ذلك قول للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): "بالتواني يكون الفوت"[1].
كما أن ضعف الإرادة تمثل إحدى مناشئ الذنوب لأنها سببا أساسيا في تخلف الإنسان عن تكليفه الشرعي وتكاسله عن نصرة الحق وإبداء موقف قوي ضد الباطل.
وعدم التصدي للهجمات الفكرية والتواني في مقاومتها يعني السماح للعدو بالتوغل في عقول المجتمعات واحتلالها بصورة سريعة وسهلة، وهذا بالتأكيد سيكون له ضررا جمعيا قبل أن يكون ضررا فرديا.
ومن هنا نستنتج بأن ضعف الإرادة لها عواقب وخيمة جدا يتحمل صاحبها ذنب التقصير تجاه مجتمع كامل لأنه كان سببا في انحراف المجتمع والسماح للعدو بالتوغل فيها دون إبداء أي مقاومة أو تصدي لها.
لذا فالشعوب الكريمة التي تحارب وتقاوم من أجل كرامتها هي شعوب ذي همم عالية، واعية لتكاليفها الشرعية ومقدرة لحجم المسؤولية التي على عاتقها، وهذه الشعوب تحديدا لا يمسها الباطل بفكرة ولا رصاصة، لأن أفرادها طالبين للنجاة رافضين للغفلة مثلما وصفهم الإمام علي (عليه السلام): "إن كنتم للنجاة طالبين فارفضوا الغفلة واللهو، والزموا الاجتهاد والجد"[2].
[1] ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ٢٧٠٥
[2] غرر الحكم: ٣٧٤١
اضافةتعليق
التعليقات