نعني بذلك الانطلاق من لحظات خطابية، وليس من خطاب مصدر ومن تكوين خطابي منسجم يضطرنا إلى مواجهة تنوع الخطابات الرائجة في عالم الإعلام يتعلق الأمر إذن بمجابهة تنوع الأرشيف، والعمل على آثار الذاكرة، وخاصة على "ذاكرة التاريخ" التي تجوب الأرشيف غير المكتوب للخطابات التحتية وهي ذاكرة يبدو أنها تسجل في الأشكال اللغوية، في المحتوى الدلالي للكلمات التي سبق قولها في أثر البنيات السابقة، والتي نسي الوسيط الإعلامي متلفظها، شأنه في ذلك شأن عدد من متكلمي الملفوظات المنقولة.
هذا ما كنا نريد ملاحقته انطلاقا من مختلف أشكال الحوارية التي وقفنا عليها عبر تنوع الأجناس الخطابية التي صادفناها، تبعا للحظات الخطابية التي حللناها.
بعد التفكير واعتبارا لمواضع تسجيل التذكيرات التي جردناها، لست متأكدة تماما أن هذه الذاكرة التي ليست، تبعا للوكونت "الملكة النفسية للذات المتكلمة - توجد دائما وتبقى خارجة عن الذوات" وتوجد فقط في الكلمات التي يستعملونها (لوكونت) ألا يوجد أي رابط هذه الملكة النفسية للتذكر والتذكير، التي تسمح لكل كائن بشري بتخزين الذكريات، والإدراكات والأحاسيس والتمثيلات المعرفية، وكذا معارف الذاكرة المسماة ذاكرة المدى الطويل عند علماء النفس والمعرفيين؟
الأجسام المعدلة جينيا، الحش، قرار التأجيل، أوروبا، ألفاظ يكمن دورها في إثارة إعادة بناء المعارف والتمثيلات عناوين مرنة بصورة أقل أو أكثر وعيا خلال العروض السابقة لوسائل الإعلام وبدون شك، فالسبب في ذلك، كما يقول هالبواك أن البشر، بما أنهم يعيشون في مجتمع، يستعملون الكلمات التي يفهمون معناها: هذا هو شرط الفكر الجماعي، والحال أن كل كلمة (مفهومة) ترافقها ذكريات ولا توجد ذكريات لا يمكننا أن نجعلها توافق كلمات غير أنه وراء الكلمات، ليس لدينا حتما نفس الذكريات؛ فبأية أشكال إذن يتم تسجيل هذه الذكريات؟
إذا كان هناك من تلميح في عبارة (فرانكشتاين)، وهي العبارة الجاهزة التي غالبا ما تستعمل لوصف الغذاء الصناعي، وبخاصة ذلك الذي يحتوي على الأجسام المعدلة جينيا، فهل يشكل هذا التلميح ذكرى تحيل إلى أقوال أم على معارف موسوعية يُفترض أنها مشتركة؟ ولكن أية معارف مشتركة؟ بينت روائز خضع لها طلبة الدكتوراه حول هذا النوع من التلميحات إلى أي حد كانت معارفهم فضفاضة بصدد مصدر التلميح (وحدهم الطلبة اليونانيون كانوا يعرفون حكاية باندورا ولكن هذا النسيان (أو) هذا الجهل)؟ لم يكن يشوش حقيقة على فهم التلميح، وبالتالي على فهم الحجاج، ذلك أن هذه الكلمات أو هذه الصياغات تصادي ذكريات جماعية تم تخزينها مختلف الاستعمالات التي أخضعها لها المجتمع، وبخاصة عبر الزمن عبر عالم الإعلام.
فهل يمكن أن نرسم بدقة الحدود بين التلميح الذي يسجل ذاكرة الأقوال أو الأفعال الكلامية، والتلميح الذي يسجل ذاكرة الوقائع والأنشطة؟ إنها مسألة يطرحها تعريف التلميح ذاته، وذلك بحسب اعتمادنا مثلا على المعجم طريقة للتنبيه إلى فكرة عن شخص أو عن شيء دون الإشارة إلى ذلك بصراحة أو أخذه بالمعنى الضيق الذي يسنده إليه أوتيي (تلميح إلى كلمات كلمات قول آخر).
توصلت، في بحث استمزاجي صغير قمت به، إلى أنه إذا كانت واترلو تثير عند الغالبية هزيمة فرنسا، وعند البعض هزيمة نابليون، فإن ترافالغار تبدو أقل حضورا في الذاكرة الفردية، وبالتالي في الذاكرة الجماعية للأشخاص المستجوبين. ولكن وهنا تكمن سلطة هذه الكلمات الأحداث بدون شك كان هذا يثير بالنسبة للجميع "إخفاق" فرنسا، وأمام الأنجليز بالنسبة للجميع تقريبا.
يستحيل أن نموضع ذلك في الزمن يستحيل أن نتذكر مختلف الاستعمالات التي خضعت لها هذه الكلمات الأحداث، ورغم ذلك يبدو أنها تشكل جزءا من ذاكرة جماعية وطنية مع عدد من الاختلافات في كل ذاكرة من الذاكرات الفردية، وكذا في الذاكرات الجماعية لمختلف الجماعات الخطابية التي تستدعيها وسائل الإعلام أو التي تتوجه إليها ويمكن أن نقول مع هالبواك، إنه "إذا كانت الذاكرات تعاود الظهور، فلأن المجتمع يمتلك في كل لحظة الوسائل الضرورية لإعادة إنتاجها وأنه خلال مدة حياتي، كانت المجموعة الوطنية التي أنتمي إليها مسرحا لعدد الأحداث التي أقول إنني أتذكرها، ولكنني لم أعرفها إلا عبر الجرائد أو عبر شهادات أولئك الذين كانوا على اتصال بها بصورة مباشرة" من البداهة أن وسائل الإعلام تلعب حاليا دورا جوهريا في إعادة من هكذا يغدو الإنتاج.
هكذا تستهوينا إعادة النظر في مفهوم الذاكرة الإعلامية البين خطابية، باعتبارها استرجاعا لخطاب، آخر في ارتباط بالذاكرة الفردية الشخصية أو السير ذاتية والذاكرات الجماعية، التي تم اكتسابها على مر الأحداث والصور والخطابات التي تعرضنا لها، بما في ذلك ما كان منها من وسائل الإعلام.
مقتبس من كتاب (خطاب الصحافة اليومية) للكاتب سوفي مواران
اضافةتعليق
التعليقات