كانت اول دعواها حينما تفترش سجادتها على الارض (أن تطوف حول الكعبة) لم اراقب يوما الساعة لأعرف مدة مكوثها وهي تناجي الله أن يكتبها من حجاج بيته الحرام في هذا العام قبل ان تغادر حياة الدنيا وتلتحق بحياة الاخرة, بقيت تترقب اليوم المنشود, وفي كل مرة يخيب أملها وتخلو قائمة الحجاج من اسمها, فتعود لتعد الايام على أمل أن تتحقق أمنيتها في عامها المقبل.
شاءت ارادة الله ان تُخط نهاية انتظارها, فارتفع صوت المؤذن في فجر ذلك اليوم معلناً وفاتها.
انتقلت الى مثواها الأخير دون أن تتحقق أُمنيتها.
هذا ما سردته ابنته وهي تعتصر ألم فراقها, واصلت حديثها قائلة: "في العام ذاته الذي توفت فيه علمت بعد انتهاء مراسيم العزاء ان اسمها كان ضمن قائمة الحجاج, نزل الخبر كالصاعقة على مسامعي عندما أخبروني به, وما هون علي هو رؤيتي لها في منامي وهي تطوف حول الكعبة, تتشح بثوبها الابيض الفضفاض الذي اودعته في خزانتها منذ سنوات خلت في الترقب, اطمأنت روحي لتلك الرؤية الجميلة فلربما اختارها الله ان تكون من حجاجه قبل ان تنتقل الى ملكوت الاخرة".
لبيك اللهم لبيك شعار يرتله المؤمنون من كل بلدان العالم الاسلامي؛ وهم يطوفون حول الكعبة المشرفة, وعلقوا امنياتهم على ستارها المقدس..
مستبشرين خيرا على ارض تلك الديار الطاهرة التي حظاها الله بمنزلةً عظيمة, وهي من ضمن البقاع الطاهرة في الارض, فضلا عن ذلك ارض كربلاء..
(بشرى حياة) اجرت هذه الجولة لتتعرف على احلام ومشاعر العراقيين حول زيارتهم لبيت الله الحرام.
حلم طفولة
تسرد لنا الحاجة ام رواء مشاعرها قائلة: "في العام الماضي دلف زوجي الى الحجرة مبتسما قال لي هلمي, لقد كتب الله لنا الحجة هذا العام.
انفجرت اساريري فرحا, واحسست ان الارض لم تعد تحملني, ارتديت الثياب البيضاء وسرت مع قافلة الحجاج ودخلت الاراضي المقدسة وشممت عطر قبر النبي عليه وعلى اله الصلاة والسلام وتعفرت بتراب ائمة البقيع وطفت بين الصفا والمروة, وحينما اجلس لأستريح أسأل زوجي هل انا حقا هنا ازور بيت الله؟".
واضافت: "من شدة فرحتي لم اكن لاُصدق ان الله كتب لي الحجة, اصبحت الآن مطمئنة كوني اديت ما يتوجب علي من امور ديني ودنياي, كانت دعواتي كثيرة لا اذكر حتى عددها علقتها على ستار الكعبة وعدت الى ارض العراق, والذي خصصت له دعوة بأن ترتفع به افراحنا على احزاننا بعدما لوثتها ايادي الارهاب, وكل عام وانتم بخير"
فيما قال ابو سلمان: "ما زلت ارتقب ظهور اسمي بقوائم الحجيج, ولدي امل كبير بأن ازور بيت الله قبل ان يوافيني الاجل".
وتابع قائلا: "الأماني كثيرة اهمها الأمن والامان والرزق الحلال, ولدي امنية خاصة ان يرزق ابني بالذرية الصالحة فقد لازمه مرض عضال حال دون قدرته بالإنجاب لسنوات طوال".
بينما انفجرت ام كريم باكية وقالت: "اتمنى أن احج بيت الله, واُعلن اسمي ولم اذهب".
وبسؤالنا لها عن سبب ذلك اجابتنا بأنها اصيببت منذ سنوات بمرض السكري وحينما علمت بنبأ استشهاد ولدها الوحيد اصابتها نوبة حادة ادت الى شللها مما حال دون حراكها واصبحت طريحة السرير, وهي لا تقوى على اداء مناسك الحج, ختمت حديثها بدعوة من قلب مجمور بأن يكتب الله لها الشفاء بحق شهر ذي الحجة وهو شهر زيارة بيته الحرام, من اجل ان تذهب اليه راجلةً تحج لها ونيابة لابنها الشهيد.
قدسية ونقاء
وشاركنا الشيخ كاظم العابدي فيما يخص قدسية هذه الشعيرة التي يتمناها كل المؤمنين قائلا:
"(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلً).. تعد فريضة الحج ركن من أركان الإسلام، وأعظم قربة يتقرب بها المؤمنين، تجتمع فيه العبادة البدنية والمالية، وهي من أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله عز وجل.
فالحج ليس مجرد فريضةٍ عاديةٍ يؤديها المسلمون، بل هي رسالة الهية حملت بطياتها الدروس والعبر ليتعلمها المسلم في أمور دنياه، مثل الصبر على أداء الطاعات، وتوحيد القلوب والأرواح بين الناس، فيجتمع كل عباد الله من مختلف الاجناس والاعمار والطبقات بلباس واحد ليس فيه تمييزٌ بين عبدٍ وآخر، ليعلمهم الله سبحانه وتعالى أنّ الناس عنده سواسية، لا تفريق بينهم, ليؤدوا تلك الشعيرة العظيمة".
واضاف العابدي: "وقد بشر النبي صلى الله عليه واله وسلم من حج بيت الله الحرام غفرت ذنوبه ويعود كيوم ولدته أمه، لهذا قد تميز لباس الحجاج بالأبيض, فهو نفسه اللباس الذي تداولته عاداتنا بتقليده للطفل في يوم ولادته اذ يولد الطفل طاهرا نقي السريرة خاليا من كل ذنب, فنجد ان الثياب البيضاء قد ارتبطت بالحجاج لأنها تعود ليوم ولادتنا.
نسأل الله ان يجعلنا من حجاج بيته الحرام, ويكرمنا بزيارة قبر نبيه نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام, وان يمنَ علينا بالصحة والسلامة, وأن لا يخرجنا من دنياه إلا ويرضى عنا".
اضافةتعليق
التعليقات