كما السفينة متعبين جئنا حاملين جراحاتنا على أكفنا مختبئين وراء ثيابنا، ثم خلسة تتسلل الأيادي الخفية مدونة على شاشات الهواتف بحذر شديد كلمات مغزولة من السم على هيئة حرير، فيتلقفها اليافعين مزحة هاربة من جوف الألم وتارة بحكمة دست في عقولهم.
ثم سارت من يد إلى يد وكل منا اشتهر بكرمه فزاد عليها حبة هيل لتصبح حقيقة مصطنعة، فتبرز أمامنا مقولة مشهورة لجوزيف جوبلز: "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس"، ويعتبر جوبلز إحدى أساطير الحرب النفسية، وهو أحد أبرز من وظفوا وسائل الإعلام في الحرب، وكان صاحب الكذب الممنهج الذي يعتمد الترويج لمنهج النازية وتطلعاتها، جازما أن من يملك وسائل الإعلام يملك الفصل في الحروب الباردة والساخنة، منطلقا من قاعدة أساسية لفكره مفادها أن من يملك محطة إذاعية (وقت ذاك) يربح حربا، وهو مؤسس فن الدعاية السياسية بلونها الرمادي، فهو الذي قال" كلما كبرت الكذبة، سهل تصديقها"، ومقولته الاأكثر خطورة "كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي" فالبنسبة لمن يريد التحكم بالجمهور الثقافة هي خطره الذي يمكن أن يسقطه وهو في مهد التأسيس لأنها تجعل من يمتلكها يشخص المسؤول عن معاناته فهي بالنسبة لهم مزعجة تجعل المظلومين يرون حقهم المسلوب وكيف يستردوه لذلك تبقى أيديهم على الزناد متأهبة لأي عقل يود الحركة، ليتولد سؤال من رحم الواقع،
كيف تستمر هذا الجماعات بالسيطرة رغم علمنا بفسادها؟
يستحيل أن ينتصر شخص في حرب لا يعلم بوجودها أساسا فالحروب الظاهرية ماهي إلا وليدة ساعتها لا تفهم سوى ما روي لها ناتجة عن تناحر الأمس الذي عشناه ومازلنا نعاني منه والحرب الحقيقية ولدت من أول حرف مسموم اطلق على زوايا غرف التواصل الاجتماعي، جاعلاً كل محاولات الشباب تفشل رغم أنها ثارت بقلب صادق يطلب الحياة وهو أقل حق يجب توفيره ولكن كان لحرب الجيل الرابع الأثر الواضح الذي يجعل خطوات القوة تتحول لضعف في عدة ساعات.
لنبدأ بطرح الأسئلة على أنفسنا ماهي هذه الحرب، لقد ظهر مصطلح الجيل الرابع سنة 1989عندما قسم الباحث الأمريكي وليم ليند أجيال الحروب إلى أربعة، الجيل الأول الذي يعتمد على قوة الرجل وما يحمله من سلاح، بينما الجيل الثاني كان يعتمد قوة النيران في الجبهة، أما الجيل الثالث فقد مشى مع اتساع دائرة النار بوجود الطائرات والصواريخ، وكان القاسم المشترك بين هذه الأجيال أنها تستهدف القطاع العسكري لتجعله ينهار مسيطرة على المدنيين، لكن الجيل الرابع عكس القضية كلها واستفرد باختياره وهو استهداف القطاع المدني جاعلا المجتمعات تحت ضغط نفسي وعصبي مستمر وصولا إلى ذات النتيجة "الانهيار ثم السيطرة" لتكون حرب لا نار فيها تعمل بقاعدة جوبلز الثالثة "اعطني اعلاماً بلا ضمير اعطيك شعباً بلا وعي".
ماذا تعرف عن حرب الجيل الرابع؟
حين أمضينا أغلب وقتنا خلف الشاشات الذكية تلقينا موجات مسمومة على هيئة حروف مزوقة يضيع فيها طعم المرارة نعتاد عليها فلا يأخذنا الفضول لمن ورائها، وكلما تكونت لدينا مجموعة مطالب، تنهض هذه الصفحات لتتبنى المطالب بكل اهتمام مضيفة عليها بعض البهارات لتكون طبخة جاهزة نحسبها تهتم لقضايانا أكثر منا، ثم بمهارة غير محسوسة تشتت أفكارنا وكل مجلس يطلق شعار من خلال هاتفه يرسم خارطة يقسم فيها الأبناء يمدح هذا ويذم في ذاك ثم يفعل العكس مرة أخرى ويركز كل يوم على حدث جانبي يشغلك عن قضيتك الأم حتى تدب بين الأبناء فتنة من نار لا آخر لها تستبيح كل حب كان موجود ويضيع الدم في مجالس الفاسقين المقيمون خارج حدود الخارطة.
هذه هي حرب الجيل الرابع المعروف عنها اليوم باسم الجيوش الالكترونية، حيث يقفون خلف الستار متلاعبين على وتر المعاناة بينما هم يمتصون الدماء بعذر شرعوه لأنفسهم دونما حق مستفزين الجمهور بأعمق المشاعر ألماً من خلال تهييج العواطف فتضيع قضيتك على أبوابهم جاعلين إياك لا تعرف من المسؤول الأول عن معاناتك لتهاجمه ومن الذي يقف معك لتنصره، ولأن قاعدة الشر دوما كانت مثقوبة فقد وضع الخالق في طريقنا حلولا لكل شيء وبما أنه تحتوي كل النصوص المقدسة وغير المقدسة جملاً تخرج بنا إلى إطار كبير من الإفادة، يتحول بعضها إلى حكمة تفيد أو إلى شعار يقود.
فنقرأ قول الله سبحانه وتعالى في سورة الرعد «إِنّ اللّه لَا يُغير ما بِقَوم حَتىٰ يُغيروا مَا بِأَنفُسِهِم» فإننا نرى شعاراً يقود المسلمين إلى خير عظيم، فتشير الآية الكريمة بطريقة واضحة إلى أن الإنسان قادر على الفعل، فكل ما نفعل من أمور حياتنا شيء من المسؤولية التي تقع علينا بشكل كبير، نراها في كل ما يحيط بنا من فعل، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم هي دعوة لتحمل المسؤولية، فللنجاة من هذه الدوامة اللامتناهية ولأننا بلا دولة مسؤولة يجب أن تتبلور مهام كل فرد عارف في ترقية الوعي المجتمعي فيشعر كل منا بمسؤوليته لفهم هذا النوع من الحروب فهي الخطر الذي يختلط فيه مفهوم السلام مع الحرب مستهدفاً البناء الاجتماعي.
اضافةتعليق
التعليقات