كلنا يعلم ان السعادة تحتاج الى نفس نقية من موانع السعادة, والقلق هو احد صور هذه الموانع، فالقلق بات مرض العصر بسبب خوف الناس من مستقبلهم ومستقبل اولادهم..
فلو اردنا ان نجد تعبيرا مناسبا للقلق لا نجد سوى وصفه بانه مخاوف من اشياء مستقبلية لم تحدث بعد وغير مؤكدة الحدوث, ونسبة توقع حدوثها متفاوتة من ( 0 _ 90% ) ولكن ليست اكيدة مئة بالمئة, ومع الاسف نجد ان اغلب الناس اعتادوا على هذا الشيء وقام كل منهم بتصنيف حالته حسب الوضع الذي يعيش فيه.
فمثلا هناك شخص بدأت قصته مع القلق على المستقبل مع بداية العام اذ بدأ يعيش فكرة مفادها أنني سأطرد من عملي بسبب الازمة الاقتصادية.. ولن اجد مالا لعائلتي.. مصاريف.. واحتياجات المدارس والبيت.. لن استطيع ان ادفعها ثم تطور القلق الى.. أني سأموت انا حزين وبات كثير الشكوى والبكاء واصبح اكثر تشاؤما حتى دمرت حياته وبالتالي تحول الى طفل خائف من كل شيء.
وايضا هناك نوع اخر من الناس يصاب بالقلق بطريقة اخرى وذلك عندما يسمع مآسي او شكوى الاخرين بأن يقول: ماذا يحدث لي لو اصبحت مثلهم ويعيش متصورا المأساة على نفسه، لذلك يجب علينا ان ندرك نعم الله العديدة وان نحمده على حالنا وندعو ان لا تزول النعمة.
احيانا نضع حلما خياليا جميلا للمستقبل ثم نبدأ بالقلق الشديد عليه فنتعب، وهو في الواقع مجرد حلم جميل, جميل ان تحلم ولكن لا تصاحب حلمك قلقا وخوفا فيدفع بك ذلك الى ان تصل الى مرحلة تشاهد فيها احلاما وكوابيس وانك ستموت فعلا..
لان هناك فئة من الناس ادى القلق بهم الى الموت وذلك بسبب خوفهم من المستقبل، فالشاب قلق لأنه يفكر: لن أجد عملا بعد التخرج.. لن أنجح بتفوق.. سأفشل في الحياة.. لن أجد مالا لأتزوج ..
وأما المرأة فمن المحتمل وبمجرد تجربة مرت بها كأن يكون طلاق امها فتصبح هي الاخرى تنتظر الطلاق في كل لحظة مثلما حدث لأمها وفي اي تصرف لزوجها تقول انه شبيه بتصرفات أبيها مع أمها الى ان وصلت الى مرحلة الطلاق فعلا.
او حالة اخرى.. المبلغ الذي بحوزتي سينفد.. سأموت فقيرا بعدما كنت مرتاحا وميسورا.. عائلتي سوف تسوء حالتها وسيعلنون الافلاس والفقر.. وفي النهاية هو تعيس وإن لم تحدث اصلا.. وكذلك المشاهير هم اكثر عرضة لهذا المرض الفتاك.. لان المحافظة على الشهرة اصعب من الوصول اليها.. فكل يوم يسأل نفسه هل ما زلت نجم الناس الاول، لذلك نلاحظ انتشار عمليات التجميل وذلك لكثرة تخوفهم من المستقبل إذا تقدم بهم العمر..
هناك شيء لا نعرفه لحد الان او غير متعمقين فيه وهو العقل الباطن ذاك الجندي القوي المجهول، فالقلق يعمل على العقل الباطن فيقوم بدوره بتصديق حجم هذه المخاوف ويحولها الى حقيقة لان من وظيفة العقل الباطن هو ان نصدق كل ما نؤمن به ونعيشه فنحن لا نعرف الفرق بين الحقيقة والوهم والخيال فهو حقيقة لدينا طالما نحن مؤمنون به..
فنبدأ بتصديق قلقنا على انه حقيقة واقعة اي يتحول الاحتمال في عقلنا الى حقيقة حصلت فعلا..
أمراض الجسد والناس: عندما تصاب بأعراض سببها القلق، القرحة والقولون والامراض الجلدية وسقوط الشعر والعجز المبكر ما هي الا نتيجة القلق وان سبعين بالمائة من المرضى الذين يزورون الأطباء يمكنهم معالجة انفسهم اذا ما تخلصوا من القلق فلا تظن ان امراضهم وهمية بل هي حقيقة ومؤلمة كوجع الأسنان فتظهر قرحة المعدة واضطراب القلب والصداع وبعض انواع الشلل، هذه الامراض هي حقيقة سببها القلق وكثرة التفكير, وبما ان القلق هو من يجعلك متوترا وعصبيا فهو بذلك أثر على اعصاب معدتك وعلى العصارة المعدية ويعيقها عن العمل بشكل طبيعي الامر الذي يؤدي الى الاصابة بقرحة المعدة.
فأنت لا تصاب بقرحة المعدة بسبب ما تتناوله من طعام بل بسبب ما يأكلك، لان هناك امراضا تأتيك بدون القلق لكنها تتضاعف بسبب القلق منها، انها ستزيد اكثر حتى يقضي عليك القلق تدريجيا وتماما.
ومثال على تلك الحالة ان زعماء الصين عندما كانوا يريدون تعذيب سجنائهم كانوا يوثقون ايدي وارجل السجناء ويضعونهم تحت وعاء مليء بالماء، فكان ينضح ليلا ونهارا على رؤوسهم حتى تصبح قطرات المياه كالمطرقة التي تهوي عليهم فيصاب السجين بالجنون، فالقلق مثل قطرات المياه المتساقطة بإنتظام اذ ان تساقطها الدائم يدفع الانسان الى الجنون والى الانتحار..
من وراء هذا القلق؟ من ينميه ويغذيه؟
الشيطان، نعم انه الشيطان، هو الذي ينميه ويكبره لانه يكره الانسان ولا يريد ادخاله النار فقط وانما يريد ان يعيش الانسان تعسا في الدنيا قبل الاخرة لان الله عزوجل كرمه عليه فهو يحقد عليه ويحاول اتعاسه بشتى الطرق فيبث فيه المخاوف والقلق..
ولكن ما الحل؟
القلق لن ينتهي من حياة الناس ولكن من المؤكد ان له حلولا تقلله للحد الادنى والطبيعي ليعيش الانسان سعيدا، فعلماء النفس وضعوا حلولا للناس منها ان تعيش يومك وتنسى الغد فلا تجعل سحب الغد تحجب شمس اليوم، ويجب عليك ان تحسب للاسوء (تتوقع اسوء شيء يحدث) وتقبله فإذا حدث فليس لديك مشكلة وان لم يحدث فأنت اسعد لانك كنت متوقعا الاسوء.
وفكرة ان تحسبها بالورقة والقلم فيقول علماء النفس ان اكثر من 80 % من مخاوف القلق التي تعتقد انها ستتسبب في كوارث لن تحدث ابدا وان 10 % من الحوادث التي حصلت لاخرين خشينا ان يحدث لنا مثلهم و 10 % فقط من اجمالي المخاوف هي ما يمكن ان يحدث, اذن هناك نقطة مهمة في مقاومة القلق هي ان 90 % من مخاوفك لن تحدث, هذا كله كلام علماء النفس..
هناك حل افضل واقوى من كل ماسبق، حل رباني, عطاء من الله, عبادة قلبية, سهلة, جميلة , تحل الموضوع, كلها سعادة.. تخلصك من القلق بدل الحبوب وضغط الدم.. تعبد الله بهذه العبادة ترتاح وتسعد وتأخذ الثواب.. عبادة اسمها حسن الظن بالله..
أولا معنى حسن الظن بالله هو ما هو ظنك برب العالمين؟ او ماذا ظننت به؟ هل ظنك بالله انه سيرحمك ويسترك ويرضى عنك ويحفظ اولادك, ام ظنك انه لن يغفر لك ولن يرحمك ولن يعينك.. ان كان هذا ظنك فسيحدث لا محالة لان الله يقول في الحديث القدسي (انا عند ظن عبدي بي فليظن عبدي بي ما يشاء)..
اذن حسن الظن بالله هو الحل الاقوى والدواء السريع الفوري والشافي، أنت من يقرر.. فإذا كان ظنك ان الله سينصرك ويحميك من عدوك ويسترك سيحدث هذا بالفعل، اذن علينا ان ندرك ان حسن الظن بالله هو اقوى مواجهة لقلقك لان الظن هو مخاوف من اشياء مستقبلية لم تحدث بعد وغير مؤكدة الحدوث وحسن الظن هو توقع الخير من الله على نفس الاشياء المستقبلية التي كنت تخشاها، فضع قلقك في كفة وحسن الظن بالله في كفة اخرى ولاحظ بنفسك اي كفة سترجح؟.
حسن الظن بالله معناه تغليب جانب الخير على جانب الشر وانظر ما الذي يفعله حسن الظن بالله..
احسن الظن بالله تسعد.. تتفاءل.. يزيد املك في الدنيا.. ترتفع روحك المعنوية. احسن الظن بالله تحبه.. تتودد اليه.. يزيد عملك الصالح. احسن الظن بالله تقهر القلق والخوف واليأس. احسن الظن بالله يبتسم الوجه.. وتزال التجاعيد.. وتنتهي الامراض النفسية.
حدد منذ اليوم من أنت؟! هل انت تحسن الظن بالله.. الرحيم.. الكريم.. العفو
(قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير). (لبيك وسعديك والخير كله بيديك والشر ليس اليك).
واخيرا القلق فكرة خاطئة تلقى في عقلك بفعل الشيطان ليفسد عليك حياتك, هذه الفكرة الخاطئة لا تقاوم الا بغرس فكرة صحيحة بدلا عنها..
اضافةتعليق
التعليقات