هل شعرت ذات يوم أن استخدام مواقع التواصل الإجتماعي يسبب لك الضيق والإكتئاب؟ هل التفاعلات في هذه المنصات تُقلل شعور السعادة لديك وترفع من طاقتك السلبية؟
أخذت التفاعلات في مواقع مثل انستغرام ويوتيوب وفيس بوك وكأشكالاً مختلفة من التحكم في المستخدم، سواءٌ أكانت مادية أو معنوية، ترجع أسبابها إلى هوس الناس بشأن قيمة هذه التفاعلات، والكم الكبير من الإهتمام الذي يضيفه لهم إعجاب أو تعليق جديد، حتى بات تعليق أو اعجاب يتسبب في تغيير سلوكيات المجتمع بأسره، من كان يتوقع أن لمسة واحدة على شاشة هاتفٍ ذكي قد يكون لها كل هذا التأثير!.
دراسات وأبحاث كثيرة كرست جهودها حول هذا الأمر، أطباء نفسيين، متخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس السلوكي، اهتم جميعهم بتحليل كل شيء يرتبط بالتواصل الاجتماعي وآلياته.
رأى بعضهم أن الثورة التكنلوجية تُعد نعمة ذات أثر نفعي إيجابي أكبر من كونه سلبي، ومنهم رأى أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت سبباً في الكثير من المشاكل النفسية وحالات الاكتئاب والهوس نتيجةً لسياسة هذه المواقع التي تعتمد على ربط المستخدمين بها لأطول وقت ممكن خصوصاً بعد ظهور فكرة التفاعل مع المحتوى، التي ظهرت كتطور جديد ساهم في زيادة مستخدمي هذه التطبيقات بشكل ملحوظ.
لسنا بصدد إنكار المنافع التي توفرها التكنلوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، وإن تداخل هذه المنصات مع حياتنا اليومية والعملية ومساهمتها في الكثير من الجوانب التعليمية والثقافية هو أمرٌ لا يمكن إلا أن يُشاد به، ولعلّ من أكبر هذه التأثيرات هو ربط العالم وتسهيل التقارب الاجتماعي بين الأفراد وكأن الجميع يجلس على مقهى واحد في مكانٍ واحد ويستطيع الوصول لأي فرد في أي بقعة من العالم، وأدى هذا التشابك العالميّ على كسر الحواجز وتحطيم الحدود، وتسهيل الحياة بشكلٍ واضح.
من الجانب الآخر، إن لهذه المنصات التكنلوجية سلبيات لم تكن واضحة الملامح في خضّم فورة التطور الذي أخذ يخدّر العقول. أدّى التقارب البشريّ المبالغ به هذا إلى خلق حالة من التعقيد الذي لم يكن الأفراد على استعداد للتعامل معه أو استيعابه، وذلك بدوره أدّى إلى ظهور آثار جانبية قد تكون أكبر من الإيجابية منها.
التساؤل الأكبر هنا، أين تكمن المشكلة؟
المشكلة هي اكتشاف ترابط كبير بين زيادة حالات الاكتئاب وبين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وظهرت دراسات كثيرة أكدّت التأثير السلبي لهذه المنصات على الصحة النفسية، ومنها حالات من القلق النفسي والإدمان والعزلة وانعدام الثقة بالنفس. وأكدّت دراسات أخرى على التقليل من استخدام منصات مثل Facebook و Instagram كأحد الوسائل العلاجية للتقليل من أثر الأمراض النفسية.
تختلف اهتمامات الأشخاص وأهدافهم من متابعة هذه المنصات، وعلى أساسها تختلف نسب تأثيرها عليهم من الناحية النفسية، فمنهم من يقتصر اهتمامه على متابعة صفحات وحسابات نافعة ومحدودة، ومنهم من يدع المنصة ذاتها تسلبه قدرة التحكم فيما يتابع وينساق وراء متابعة آلاف الأشخاص والتركيز في أنماط حياتهم ومراقبتهم ثم مقارنة ما يراه المستخدم بحياته الخاصة. ينشغل الناس في هذه المواقع بتكوين صورة مثالية عن أنفسهم، والظهور بأحسن نسخة ممكنة، ومن ثم التسول للحصول على إعجاب الآخرين وتفاعلهم، وقد يصل كثيرين لطرق تثير الشفقة والسخرية للحصول على هذا التفاعل، وهنا تبدأ مقارنة لا نهائية، بين حياة مملة، فقيرة، بائسة خارج حدود شاشة الهاتف، وحياة ملونة، ممتعة، ومترفة داخل حدود هذه الشاشة، ولم تعد هذه المقارنات تقتصر على الناس العاديين والمشاهير مثلاً ممن يتابعهم ملايين الأشخاص، بل باتت تحصل بين المستخدمين العاديين أنفسهم، قل لي كم إعجاب لديك على صورك الشخصية، أقول لك كم أنت رائع ومحبوب ومؤثر!
يتحوّل الناس تلقائياً إلى أرقام تفتقد أي قيمة أو معنى داخل حياة الشخص ولا تركز إلا على المظاهر، بل أصبحت هذه الأرقام تحدد الكثير من العلاقات، وتزيد من المحاربات الشخصية أو المودة المصطنعة والصراعات المستمرة لمنافسة الآخرين، ومن ثم يتحول الأمر إلى صراع فعلي على أرض الواقع قد ينهي الكثير من الصداقات ويُفسد الود بين الناس.
خُلاصةً لكل ما ذُكر، لو كانت قيمة الفرد تتحدد بعدد الإعجابات أو المتابعين، سوف تغدو حياة مستحيلة يكسوها الزيف والنفاق، فليسأل كلٌ منا نفسه، لماذا نستخدم هذه المنصات؟ للتسلية فقط أم للفائدة؟ إن كان الأمر ينحصر على التسلية فحسب فأنت تقضي وقتاً مطولاً أمام الشاشة تطلب التسلية وأنت مكتئب، فيتحول الأمر أن يُتسلى بك وتصبح أداة لتحقيق التطور الذي تحتاجه هذه البرامج! يحتاج الأمر إلى التفكّر، وتحسين جودة المحتوى المُتابع الذي يحوّلك إلى كائن منتفع وسعيد لا العكس.
اضافةتعليق
التعليقات