شكلت ثورة الإمام الحسين انعطافة كبيرة في تاريخ الشعوب، وكان استشهاد الإمام وأهل بيته وأصحابه في واقعة الطف المحرك لانبعاث روح الجهاد والمقاومة ضد الحكام الظالمين. وشكلت انعطافة كبيرة في المجتمع ونهضة في العقول والأفكار. وفجرت الكثير من الثورات والانتفاضات في كل مكان. فلم يقتصر أثرها في فترة زمنية محددة بل امتد تأثيرها في كل العصور والأزمان. لما حدثت فيها من تضحيات وبطولات ولماحملته من مبادئ وقيم للإنسان بعد أن أرادت قوى الشر الحاكمة المتمثلة بحكومة الطاغية يزيد أن تطمس هوية الإنسان المؤمن، وتغير معالم الدين.
فلم تكن ثورة إلامام الحسين عليه السلام نظيرة للثورات التي حدثت بعدها بل قبسا تهتدي به كل الشعوب بإختلاف هويتهم أو ديانتهم. وكانت السبب في إحياء إرادة الجماهير وانبعاث الروح النضالية، حتى أصبحت هزة قوية في ضمير الإنسان المسلم الذي ركن إلى الخنوع، وأصبح عاجزا عن مواجهة ذاته ومواجهة الحاكم الظالم الذي يعبث بالأمة كيف يشاء.
وهي الشعلة التي يستضاء بها الضعفاء في تغير الواقع المر لشعوبهم، بعد أن انتصر الحق على الباطل، وكيف لتلك الفئة القليلة من المؤمنين تتصدى بإيمانها فقط للفئة الكثيرة الباغية! وبتضحياتهم العظيمة عادت الأمة لمسارها الصحيح.
فكان الإمام الحسين عليه السلام وثورته على الظلم ذلك القبس الذي يُهتدى به، وراح العقلاء يتدافعون للإستضاءة بنور فكره حتى ممن لم يدينوا بدينه ولم ينحازوا إلى ملته، أصروا على أن يستظلوا بظل كرامته ويتسابقون على الإنحناء أمام بطولاته والتمسك بمبادئ الرسالة المحمدية والدفاع عن الدين.
كيف لا وهو سيد شباب أهل الجنة، وابن بنت الرسول (صلى الله عليه وآله) وابن علي المرتضى الذي فدى رسول الله بنفسه في فراش النبي بعد أن إجتمع القوم على قتله وابن فاطمة الزهراء "عليها السلام" سيدة نساء الجنة.
وهناك شهادات إضافية من الصحابة، وافادات وافية من التابعين لهم بإحسان، تنبؤك عن مدى فضيلة أهل البيت الرفيع، ومكانته السامية في أفق العلم والمعرفة والكمال، بما جعلهم مراجع الأمة في كل أدوار تاريخ الإسلام المجيد.
وللإمام سيرة مشرفة وعظيمة في الأخلاق والعبادة والإرتباط بالله وهو مثال الشجاعة والتضحية من أجل الدين. لذا وجب على الموالين الإقتداء بسيرته العظيمة، في عبادته وأخلاقه وتضحياته.
والسير على نهج سيرة جده رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فلا يكفي لمن يحبه أن يبكي عليه أو يحضر مأتمه، وإن كان فيه أجر عظيم، ولكنه لو تحول إلى مجرد طقوس وعادات اعتدنا عليها بلا هدف أو غاية تفقد أي تأثير على من يمارسها، تماماً كمن يصلي ولكن الصلوات لا تنهيه عن الفحشاء والمنكر يقول تعالى: (إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر) أما إذا كانت صلاتك لا تنهاك عن المنكر فيجب أن تشك في قبولها.
فإذا كنت تعزي الإمام وأهل البيت في شهر عاشوراء تبكي وتضرب صدرك، وخدك بكل قوة، ولكن أفعالك أبعد ماتكون عن منهج الإمام الحسين عليه السلام أو سيرته؛ فعليك أن تشك في قبول تلك الأعمال. الإلتزام بمبادئ الحسين وأفعاله وأقواله والسير على نهجه والحفاظ على أركان الدين ومعالمه، ولا تترك واجباً ولاتهمل محرماً، على مدار السنة وليس فقط في شهر عاشوراء كما يفعل بعض الناس!.
فثورة الإمام الحسين عليه السلام كانت معركة بين الحق والباطل، ورسم لنا فيها منهجاً للتعرف على السلام المحمدي الأصيل وكيفية التمسك به وعلينا أن نسير على ذلك، فمن تمسك بمنهجهم وسار عليه نجا! ومن تخلف عنه غرق وهوى.
وإن أهم درس يجب أن نتعلمه من نهضة الإمام الحسين عليه السلام هو الاستعداد لتقديم كل غال ونفيس من أجل الإصلاح في الأمة، فإلاصلاح لايمكن تحقيقه بالأماني والأحلام! وإنما يحتاح إلى إرادة وعزيمة وعمل دائم، ونشاط مستمر وإستعداد للتضحية بمختلف أشكالها للوصول إلى الإصلاح الشامل في الأمة.
علينا حماية أفكار ومبادئ أهل البيت تلك المهمة العظيمة التي تقع على أعناقنا.
فلم يعد ممكناً حصار فكر وثقافة أهل البيت كما كان مطبقاً سابقاً من قبل أعداء أهل البيت. ولكن علينا أن نبين تلك الأفكار والمبادئ التي ضحى من أجلها الحسين عليه السلام، مما يحاول البعض تشويهها واضافة أقوال وأعمال غير منسوبة لها. فلكل زمان طاغية ويزيد هذا العصر هي الحرب الإعلامية البشعة التي تدار بين فئة مضللة وهي تحاول أن تطمس تلك المفاهيم الرسالية بالتشويه والتزييف مستقطبة بعض المراهقين أو المتخلفين على منصة التواصل الإجتماعي.
وبالرغم من أن وسائل الإعلام والإتصال الحديثة ساهمت بنشر منهج وفكر أهل البيت إلى كل الناس، ولم يستطع أعداؤها بكل ما لديهم من أدوات القمع والدكتاتورية أن يقضوا عليها في القرون الماضية، يجب أن يكون للمؤسسات الدينية والتثقيفية دور في الرد على تلك الشبهات، وتطرح قضية الإمام الحسين واظهار علوم أهل البيت فهي المنفذ الأقرب للجماهير بعد عزوف الكثير عن القراءة، لتنير عقولهم. وتكون البوصلة التي توجههم نحو الإتجاه الصحيح.
ستبقى ثورة الحسين عليه السلام مصدراً لأشعة النور الخالدة في كل اتجاهات العالم لتنشر قيم الحق، والعدل والحرية. فلايمكن للسحب أن تخفي ضياء الشمس الساطعة.
اضافةتعليق
التعليقات