ليس من السهولة بمكان العثور على صحافة تجتمع فيها شرائط ومعايير الالتزام والمهنية وحس المسؤولية وسط هذا الكم الهائل من الصحف والمجلات على اختلاف أصنافها ومشاربها وتوجهاتها.
إننا اليوم نسير في ساحة مملوءة بالألغام _ إذا صح التعبير _ فليس كل ما هو مكتوب نافع، وليس كل ما هو مقروء حقيقي يلامس الواقع.
الصحافة النسوية بالخصوص لها أبعاد خاصة بها دون سواها، فهي تنطوي على خطورة مضاعفة لكونها تخاطب المرأة بالذات، وهي نصف المجتمع كما نعلم، وكلنا نعلم حجم الاعلانات الموجهة، وسيل التوجيهات التي تستميل ساحتها، وتحاول النيل من كرامتها تحت مختلف الذرائع والأسباب، وبدعوى المساواة والحرية المزعومة واليافطات المشحونة بالغل والمدسوسة بالسم لقتل النقاء والصفاء بداخلها.. تأتي الصحافة الملتزمة كمخرج من هذا التخبط القائم.
الصحافة التي تتكىء على مجموعة من القيم الإنسانية، والتي تتمثل في الدعوة لتغليب الأخلاق كصبغة ثابتة، في وجه المسميّات الأخرى، هي الصحافة الحقة وهي المطلوبة، خصوصا ونحن نواجه حملة كونية لتمييع دور المرأة، وتحويلها إلى متاع رخيص يباع ويشترى، ليس في سوق النخاسة سيء الصيت، وإنما في عروض تقدّمية ذات برواز حضاري!.
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح : هل الرجل وحده هو المسؤول عن تسليع المرأة وتحويلها إلى جزء من المقتنيات الشخصية؟ أم أن المرأة ذاتها هي من أباحت نفسها وأرخصتها، حين أصبحت دائمة اللهاث خلف الموضة والأزياء، وكل ما هو جديد في سوق العرض والطلب؟!
ولعل نظرة خاطفة إلى واقع الحال تجيبنا على هذا التساؤل، أوَلسنا نرى بأم أعيننا مدى ٱنحسار المجلات النسائية الهادفة، والتي تعنى بتثقيف المرأة أمام مجلات الموضة والأزياء؟ أوَلسنا نرى سيلاً جارفاً من مجلات وصحف تداعب الأنوثة على حساب العقول والأهداف النبيلة؟!
من هنا لا يحق لنا رمي اللائمة فيما وصلت اليه المرأة على الرجل لوحده، إنما المرأة هي الأخرى شريكة معه في هذا الإنحدار الأخلاقي.
إنّ التركيز على جسد المرأة واختزال كل دورها ورسالتها في حدود الجسد البالي، يمثل استراتيجية مُربحة بل ومفضّلة لدى معظم المجلات الموجّهة للمرأة، ومن بين تلك التي تسعى إلى الإستثمار في أجساد النساء لتعبّر عن ذلك التحالف الخفي بين رؤساء تحرير تلك المجلات والشركات التجارية العالمية، الأمر الذي أدى إلى تراجع كبير في مضمون الرسالة الإعلامية وتضعيف الخطاب المتوازن، كما كرَّس مجموعة من المفارقات بين الاهتمامات الحقيقية للمرأة في الواقع، وما تنشره الصحافة النسائية من مواد تروّج لثقافة استهلاكية، إنها تجعل من المرأة الرقم الأول في الاستهلاك، والحليف الدائم في السباق المحموم نحو الأناقة واتباع الموضة وتقليد المشاهير.
هذه الصحافة ودورها لا يخفى على لبيب، مهمتها في الأساس هو استثمار الأجساد وتسطيح العقول، واللعب على وتر الأنوثة والجاذبية المزعومة، إنها لا تتورع عن تمزيق ما تبقّى من الحشمة والعفاف عند نسائنا، ألا فالحذر ثم الحذر من مخالبها إذا نشبت.
أما الصحافة النسوية الملتزمة والداعية إلى انتهاج سيرة الزهراء عليها السلام، هي بمثابة رقم صعب في معادلة معقّدة، تحاول رسم أبعاد حياتية تنتشل المرأة المسلمة من مطبّات الزمن الرديء.
نحن لسنا بالضد من معايير التحضر والتقدم والإنفتاح على الحضارات الأخرى، لكننا ضد الإنحلال والميوعة والذوبان في الآخر، ولأننا لا نريد لأبنائنا أن ينجرفوا وسط دوّامات مهولة، لابد لنا أن نتمسك بأهداب أصالتنا كي نمنع أنفسنا وأبناءنا من الوصول إلى حافة الهاوية، أضف إلى ذلك إنّ الحفاظ على هذه الأصالة، هي بمثابة بطاقة تأمين لنا ولأجيالنا القادمة.
إنّ السعادة الحقيقية تكمن في الرجوع أساساً إلى منابع الصفاء الفاطمي، وهذا هو الهدف الأساس من بناء منظومة الصحافة النسويّة الملتزمة، تكون أُولى شرائطها تركيز الضوء على مجموعة قيم أخلاقية رصينة، تكون فيها الزهراء هي القدوة والمثال.
أما بنات الزهراء فهن من سيحملن مشعل التغيير عاليا في الآفاق، ويرسمن صورة مشرقة للمرأة المسلمة بإذن الله.. إنها رسالة ستستمر إلى ما شاء الله حتى ينبلج صبح الإسلام، وتُورق شجرة الحياة بالوعد الحق.
اضافةتعليق
التعليقات