أُجبرت الكثير من العوائل على مغادرة مناطقهم وأهاليهم بسبب الظروف الأمنية والاجتماعية التي حدثت في العراق مُنذ عام 2003 وحتى يومنا هذا، بعضهم ترك الوطن ولجأ باحثاً عن الاستقرار في أوطان أخرى، وبعضهم تمسك بالوطن واتجه إلى شماله حيث الوضع أكثر استقراراً، غُربة البعد عن الأهل والاصدقاء شتت الكثير، انطوت العوائل على نفسها خوفاً من معاشرة الناس من جديد، القلق من المستقبل المجهول ينخر سكينتهم.
مشتتين لم يجمعهم أحد سوى تلك اللافتة التي وضعت في احدى المراكز (يُقام مجلس عزاء الامام الحسين لمدة 10 ليالي الساعة 8 مساءً).
جاءوا من كل فج والسواد شعارهم، لا أحد يعرف أسماءهم، أصولهم، مدنهم، وظائفهم، لاشيء سوى أنهم حُسينيون جاءوا للعزاء ومواساة الزهراء.
تعجب رجال الأمن المسؤولين عن حماية المجلس (ولم يكونوا من الشيعة) من أين جاءوا كل أولئك؟ من الذي أخبرهم؟ كيف اجتمعوا في مكان واحد بالرغم من اختلاف لهجاتهم وقومياتهم؟
لا يعلمون بأن قلوب كل أولئك قد أوقدت بها حرارة الحب والحزن لسبط النبي وتلك الحرارة هي التي قادتهم إلى هذا المكان الذي فيه يُذكر ويُندب.
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا).
يتساءل عن الحب الذي يُبكي الصغير، الذي يقود ذلك الطبيب والمهندس ليكنس الأرض وهو غير مكترث لمكانته الإجتماعية، من أين جاء ذلك الحماس الذي حرك الشباب ليرتبوا المكان، يعدون الطعام؟ أنى لهم الشعور بكل هذه الراحة وهم يعملون؟ أليس الحزن مُرهق؟ لا يُلام ويحق له التعجب من لم يعرف الحسين، ولم يجرب الراحة بالحزن على سيد الشهداء عليه السلام.
من ذلك المجلس الذي يُقام في العشرة الأولى من شهر محرم انبثقت انوار الحسين في بيوت محبيه فأنتجت مجالس تُقام طوال السنة، تلك العوائل التي كانت تعيش الخوف من معاشرة الغير أصبحت تجتمع طوال العام تحت خيمة المجالس، لم يلم شملهم إلا الحسين عليه السلام، تكونت علاقات تعارف وصداقة على حب الحسين وفي خدمته.
أصبحت الرايات تُرفع في البيوت وعلى السطوح لتعلن الحزن متى ماجاء محرم، لم يعد يخاف أحد من رفع اسم الحسين، وجدوا باسمه الأمان الذي أضاعوه في مدنهم، وجدوا به الوطن الذي فقدوه عندما ابتعدوا عن بيوتهم، وجدوا فيه المؤنس الرفيق، إنه الحُسين.
تلك الرايات كانت دليل للكثير ممن لم يعلموا بوحود المجالس في هذه المدينة، لم يعد الشيعة وحدهم من يحضروا المجالس، حضر المجالس أبناء المذهب الآخر، جاءوا ليستكشفوا، ثم بدأوا بالتأثر، بعدها أصبحوا يُشاركون وبعضهم بدأ ينتظر ويسأل عن المجالس لما عاش من راحة وطمأنينة وسكينة فيها.
هكذا هو مصباح الهدى يُنير للعالم اجمع لا للشيعة فقط، هكذا هو سفينة نجاة يأمن من ركبها وتستقر روحه.
حاولوا جميعاً إيقاد نور الحسين في ذواتكم أولاً ودعوه ينبثق بأفعالكم ليُنير حياة من حولكم. وتذكروا بأن الدعوة إلى أهل البيت عليهم السلام غالباً لا تحتاج إلى كلام بعد الفعل الذي يراه الآخرون فينجذبون إليه لا إرادياً.
حب الحسين فطرة مغروسة في الذوات البشرية، أحياناً تحتاج تلك الفطرة إلى طاقة تفجر ذلك الحب، وذكركَ الدائم للحسين وتخلقكَ بأخلاقه قد يكون تلك الطاقة التي بها يتفجر حب الحسين عليه السلام عند من هم حولك.
شهري محرم وصفر فرصة استثنائية لدعوة الناس إلى سفينة الحُسين عليه السلام بأفعالنا، تذكر إن حب الحسين طاقة هائلة بها تتمكن من تغيير مجتمع كامل، بشرط تغيير ذاتك أولاً.
اضافةتعليق
التعليقات