يُبنى كل شيء على الكلمات، ولطالما سمعنا أنَّ صوت المرأة عورة!، وفي الأمس القريب ومع أحداث السودان الأخيرة شاعت بعض المقولات المرافقة للانتفاضة ورأينا اللافتات التي يحملها المتظاهرون ولعل أبرزها كان: صوت المرأة.. ثورة!.
بالتأكيد ثقافة هذا البلد المظلوم الغني بثروات أرضه وفكر شعبه وهو الذي عُرف عنه منذ القدم بارتفاع نسبة القراءة فيه، كل ذلك ساهم إسهاماً مباشراً في السماح لهكذا مقولة بل لنقل شعار بالانتشار بين مجتمع يعتبر إلى حدٍ ما متحفّظ حول المرأة.
لسنا في صدد الحديث عن أزمة السودان فقد أُشبع الموضوع بحثاً وكتابة، بل نروم تسليط بقعة ضوء على تلك العبارة، وهي للأمانة قد تم تداولها قبلاً في بلدان أخرى، لكنها اشتهرت بعد استخدام وتكرار منتفضات السوادن لها، وكما يقُال: إذا كان عندك فكرة تريد لها أن تنتشر فاعطها للمرأة.
بشكلٍ عام نتساءل، ما المقصود من هذه الكلمات، أي صوت وأي امرأة سيكون نتاجه: ثورة، والأخيرة معناها كبير وقوي على النفس، فهناك معنىً شاسع للكلمة وليس ضيقاً كما نظن، وهي معادلة صعبة التحقق في مجتمعاتنا، لأنّ كل من صوت وامرأة هما مفهومين خطيرين ويتعرضان للقمع دوماً وبالتالي ستكون الثورة هنا صعبة التحقق.
نعود ونقول لسنا نقصد كلمة الثورة بمعنى الانتفاضة وماشابه، بل أي تمرّد أو تحدٍ لأي حق أو هدف تريده المرأة، لأنَّ البعض منهن يسير في هذا الركب مخدوعاً، ويشكلنَ ثورة مزيّفة، ولعلّ ماكينة الاعلام الموّجه التي لاتصدأ تساهم في غسل مخ المرأة كل يوم في هذا المجال بجرع ذكية متكررة.
فصوّرها بوسائله المختلفة تارةً ببرنامج وأخرى بمسلسل أو فلم وتارةً برواية، أنها ضحية _للرجل تحديداً_ ، وعليها أن تثور على هذا الواقع الظالم، وليس عليها أن يكون لها صوت فقط، بل ومخالب، فهي تعيش وفق شريعة الغاب التي وضعها المجتمع الذكوري فيه.
وصورة المرأة النموذجية كما يجب أن تكون بنظرهم هي امرأة حرّة بلا قيود، لها رأي مستقل ومساحة شخصية تتسع مع الزمن أكثر والويل لمن يقترب من تلك الخصوصية، وبذات الوقت من حقّها أن تتكلم وتعبّر عن ماتشاء وتكتب أخص عواطفها صميمية فهي هنا ثائرة على العادات والتقاليد كما ترى، وتتمرّد على ثوابت دينية بحجة أنّه يجب أن يكون لها رأي في كل شيء!.
وهكذا، يمكن أن نفهم مصاديق هذا الصوت ونوعيته، والمرأة وقناعاتها، وطبيعة أو شكل الثورة التي تريدها، فهي تُأوّل بطرق شتى ايجاباً وسلباً، فالمرأة من جانب سليم تذود عن حقوقها وتدافع عنها وترفض الظلم بضوابط معينة فنحن هنا أمام ثورة، وأيضاً عندما تحاور ابنها المراهق وتقنعه بذكائها حول أبسط الاشكالات التي تراها في حياته من لباسه إلى موديل شعره إلى هوسه (بالبوبجي)، فهي هنا امرأة ثورية لم تسكت على الخطأ.
وهناك ثورة على التخلف الاجتماعي والظلم السياسي، وهناك ثورة على نفسها أيضا، فعندما تخرج من دائرة ذاتها وتوجه الدفة إلى خط الاخرين، هي هنا تثور على أنانيتها، وتثور على مفاهيم مُعلبّة وأمواج ارتفعت وبلعت الكثير من الفتيات تحت غطاء التطور والحضارة، ومنها العمل والدراسة من أجل توكيد الذات والسمعة والمكانة والمساواة ومنافسة الرجل في كل مايمتهن.
وكما هو معروف الأشياء تعرف بأضدادها، فنظرة أنَّ صوت المرأة عورة، جاءت أساساً من التربية والثقافة، فالأم هي نفسها من رسّخ هذا الوضع الغير عادل، عندما تميّز بين الأخ والأخت، وعندما يكون في المنزل قانونين، وللأب ميزانين، ولاعجب إن كان للمجتمع مكيالين يحاسب به المرأة ويترك الرجل، والنتيجة ستكون تشكّل سايكولوجية للرجل وحتى للمرأة نفسها بأن لاتقرأ ولاتسمع لامرأة!.
تقول الكاتبة الفرنسية فرانسواز جيلو:
"إنني أرفض بكل قوة أن هناك مؤامرة كونية ضد المرأة، وإن هذه المؤامرة هي التي مكنّت الرجل من أن يجعل المرأة ترسف في الأغلال.
في البيت والشارع والمصنع.. أبداً عقلي يرفض ذلك تماماً، فإن كانت عبودية للمرأة، فهي التي وافقت على ذلك، وإن كانت المرأة ماتزال وراء الرجل فلأنها أرادت ذلك"!.
والحق في هذه المعادلة يجب أن يكون بأن لا النساء حريم ولا الرجل بسلطان، ولا أن تكون المرأة ظلاً للرجل، بل أفراد يكمّل بعضهم بعضا، فالمرأة تحتاج إلى دعم وتشجيع وأمان وحماية، والرجل أيضا بحاجة إلى ذلك، وصوت المرأة ليس من المفترض أن يكون قنبلة ومدفع وخطاب متشنّج ناقم على الرجل بل يجب أن يكون صوتاً هدفياً ويدار بمجموعة من الضوابط الدينية التي إن آمنت بها فعليها مراعاتها.
نعم الحياة سباق حواجز، لكنها مع نفسكِ ياسيدتي أولاً وقبل الرجل أو المجتمع، فالشهادة بدون فكر لا أهمية لها، وإن كنتِ بتحصيل دراسي بسيط ولكنكِ ناجحة في أسرتك فتلك علامة فارقة في وقت نرى فيه الأطفال والشباب بلا قيم ولا أخلاق، فهناك نساء يفيض العلم منهن ولايحملن شهادة، ويملتئن أخلاقاً ولم يقرأن كتاباً.
لقد نجحت النسوة في السودان بتحشيد الجماهير وصناعة أيقونات خاصة بها تعبّر عن الثورة، والسبب ليس لكونهن نساءً فقط، بل لأنهن دافعن عن مبدأ لاقضية ذاتية، وفي المقابل لاشيء يدل على عقلية الرجل ومدى ثقافته وتقدمه غير نظرته للمرأة، ولذلك كان صوت المرأة في هذه المرة بحق ثورة، لأنه شرب القيم من الينابيع الحقيقية!، فعلى صوتها وأصغى إليها الكثير.
اضافةتعليق
التعليقات
العراق2019-05-28
2019-05-28