من وجد في نفسه بذرة رفض فليسقها، وليرعاها في أرضها قبل ان يشدّ الرحال الى كربلاء، نعم أقولها وبملء فمي: الحسين لا يقبلك وانت غارق في وحل الخنوع والذل والاستكانة، الحسين لن يستقبل زائرا لم يفكر بأن يغير من واقعه شيئا، ولم يحدث نفسه بتغيير، الحسين لن تفرحه الوفود المليونية الزاحفة الى ضريحه، وهي لا تزال تحمل على ظهورها أوزار القبول بالأمر الواقع، الحسين لا يرتضي من يأتيه راضيا عن حاله المرير البائس، مستكينا لسطوة الأحزاب المتنفذة، ومرخيا الحبل لكل ظالم وفاسد.
إن جنبات الطف لا زالت تسمع واعية الحسين عليه السلام على مر الدهور، ولم يزل صوته يدوي عاليا: ألا من ناصر ينصرني.. فهل كان يطلب النصرة لنفسه ياترى؟ كلا بالتأكيد... لقد اراد لنا ان نجيب واعيته نصرة لدين الله ولقيمه الحقة ومبادئه السامية، فالحسين يعلم انه مقتول لا محالة، لكنه أراد بهذا النداء ان يزرع بذرة الرفض في أرض العراق كي تورق ثورات في باقي البلدان.
هل رأيتم ماذا فعل شعب اوكرانيا بوزرائهم الفاسدين؟ لقد قاموا برميهم في حاويات الزبالة، فاصنعوا مثلهم ان كنتم على خطى الحسين تدعون، والى منهاجه تنتمون.
وأبدأوا بأنفسكم أولا.. غيروا ما اعوج من مسلككم وكونوا دعاة الى الحق بغير ألسنتكم.
فأنتم أولاء تأتون الى كربلاء مشيا على أقدامكم، وتتحملون برد الشتاء القارص، وحر الصيف اللاهب، وتتحملون كل المصاعب التي قد تعترض طريقكم الى الحسين، وعندما تصلون اليه تعاهدونه على النصرة والبيعة، وترددون نداءكم المعهود (لبيك ياحسين) ولكنكم ما ان تعودون الى دياركم وبيوتكم، تستكينون لواقعكم المؤلم، وتسلمون قيادتكم لمن لا يستحق ان يكون عليكم قائدا، وتعطون اصواتكم لكل ناعق، دون ان تميزوا الغث من السمين والجيد من الرديء، ثم تعود الكرّة بكم فتنتخبون ذات الوجوه الكالحة مرة بعد اخرى، ثم تتصايحون وتتباكون لأنكم لم تحظوا بأناس نزيهين نظيفين؟!
بربكم أيها العراقيون كيف يستقيم هذا الأمر، وانتم تكررون ذات الأخطاء، وتسلكون نفس الطريق، ثم تعضّون اناملكم ندما على ما فعلتم.
إن الحسين ما ثار إلا لكي تصان كرامتنا، وما قام بثورته الجبارة بوجه الظلم إلا ليعلمنا درسا في مواجهة كل ظالم، وما قدمه من تضحيات جسيمة إلا لأجل ان نعيش أعزاء اقوياء.
فما بالنا قد اصابنا الجبن، فما عدنا نرفع بوجه ظالمينا راية رفض؟!
وما بالنا أصبحنا عاجزين أمام هذا الكم الهائل من فساد الحكومات المتتابعة على اذلالنا؟!
وما بالنا لم ندرك الى الآن حجم مأساتنا عندما ننتخب نفس الوجوه، وننتظر نتائج مختلفة؟! وننادي حتى هذه اللحظة هيهات منا الذلة، ونحن غارقون حتى آذاننا في المذلة.
لقد أصبح - للأسف الشديد- كل همنا ان نكتب من المشاية، ونسجل في سجل الزائرين، بل ونتفاخر على غيرنا بأننا قد وُفقنا لزيارة الأربعين، لكننا افتقدنا لهوية الحسين الثائر، تلك الهوية التي تحمل بين طياتها ارادة الحسين وشجاعته وبأسه ورفضه وثباته واستقامته.
نحن نفتقد - ياسادة - كل شيء موصول بالحسين، لأننا افتقدنا البوصلة التي تؤشر الى قبلة الأحرار.
نحن لا زلنا نتخبط خبط عشواء في اختياراتنا واصطفافاتنا وانتماءاتنا.. نحن حتى لم نفكر قبل ان تطأ اقدامنا خارج حدود محافظاتنا، بأن نغير من واقعنا المتردي فيها، ولم نسعى لفقأ عين مسؤول فاسد بأصبعنا الاحمر الذي انتخبناه به، ولم نبادر الى رجم كل الشياطين البشرية المتحكمة بأرزاق مدننا وقصباتنا، ولم نرفع عقيرتنا بوجه من أخّرونا قرونا الى الوراء، وأعادونا القهقري بفضل كراسيهم وامتيازاتهم القارونية المهولة.
عودوا - أيها العراقيون - فالحسين قد خلدته السماء... عودوا الى دياركم، وتلّمسوا خطى الحسين واصنعوا ثورة تطيح بكل رؤوس الفساد... واجمعوا كل حثالات البشر ممن انتفخت اوداجهم وغلظت رقابهم وكروشهم بالعهد الجديد، وارموهم في حاويات القمامة.
عودوا أيها العراقيون. فلقد اكتفى من نداءاتكم، عودوا وغيّروا ثم عودوا لكربلاء فالعود لكم أحمد.
اضافةتعليق
التعليقات