تختلف الشعوب في تقاليدها ومفاهيمها وتوجهاتها، فما هو مرغوب ومستحب في مجتمع، محرم ومنبوذ في مجتمعٍ آخر، لكن العالم يتفق بالإجماع على جملة أمور ولا يختلف اثنان عليها، ومنها احترام الخصوصية وحفظ الأسرار.
فهي مساحة الحرية التي نقتطعها من فك العالم ولا نسمح بالتجاوز عليها والمساس بها كونها ملكنا وحدنا، لتبقى طي الكتمان ولا نبوح بها إلاّ للصديق الصدوق والقريب من القلب وقتها نلجأ إليه لنخبره بما يعتمر القلب حين يثقل بالهموم.
ولكن على ما يبدو إن الجهلة والسذج وسطحيي التفكير قد أشاعوا تقليدا جديدا ينافي القيم والتقليد المتعارف عليه، فلا سر بعد اليوم وغسيل احداثهم يجب ان ينشر يوميا ليعرفها القاصي والداني!، أما مقولة (البيوت اسرار) المشاعة والمطبقة في كل المجتمعات منذ قدم البشرية، قد ذهبت ادراج الريح!، مستغلين وسائل التواصل الاجتماعي و(الفيس بوك) تحديدا سريع الانتشار والتمدد، الذي بات بالنسبة لهم غرفة معيشة يسكنها الاحبة والاصدقاء ليتداولوا امور حياتهم ومشاكلهم بصراحة وبدون حذر او تكلف، ناسفين كل الاعتبارات التي تحتم على الفرد ان يكون امينا على اسراره، وغير عابئين باشاعة اخبارهم واباحة اسرارهم وكشف سترهم لإناس غرباء يختلفون عنهم في التفكير والتمييز والتأثير وترجمة وتفسير المنشور وربما يستخدم ضدهم يوما، ليسردوا تفاصيل حياتهم ومشاكلهم وكل حدث يمرون به طالبين العون والنصيحة والرأي السديد في تعليق يكتبه لهم اعضاء (الكروب).
ومنهم على سبيل المثال تلك الشابة التي انزلت منشورا قبل عدة ايام تكلمت به عن عيوب زوجها كبخله الزائد وعصبيته وتعامله السيء معها وكيف يتعاركون وكيف يتصالحون ثم تقول اريدُ حلا!.
واخرى تذكر مشكلتها بالتفصيل وتقول زوجي يضرب ابنتي الصغيرة والتي تبلغ من العمر سنتين وحين احاول ان امنعه يقول سأضربك معها...... ماذا افعل!!).
وشاب يضع صورة شخص حائر ويقول (قررت ان امتنع عن شرب المخدرات...... فانصحوني كيف!!).
وأمثلة كثيرة لا يسعنا ذكرها ممن تصيب العاقل بالدهشة والاستغراب والحزن على محدودي التفكير المستخفين بآلامهم والمستهترين بحياتهم وحياة من حولهم، ضيقي الافق الذين ينطبق عليهم قوله تعالى ((إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لايعقلون) المتعاملين مع قشور الامور بدون تأمل وتحليل وتفسير عميق لحياتهم ومشاكلهم فكيف يعقل ان يكون تعليق لأحد العابرين الذين يقلّبون (الفيس بوك) من أجل التسلية وقضاء الوقت ان يسهم في حل مشاكل اجتماعية كبيرة كهذه!.
التي تتطلب دافع حقيقي واصرار في ايجاد الحل معتمدين على افكارهم وتدبيرهم والعمل بشكل مدروس لتقدير حجم المشكلة ومعرفة توابعها وسلبياتها ثم تطويقها مستعينين اولا بالله تعالى ومتوكلين عليه ثم على الأقربين منهم اصحاب الخبرة والدراية والمعرفة والتجارب لأخذ النصيحة.
اضافةتعليق
التعليقات