ضمن التحولات الجذرية التي تمر بها الأجيال، والأفكار المسيسة التي اخذت منحىً آخر تحت وطأة المصالح الشخصية، يمر العالم بحالة من انعدام التريث الفكري، والتحليل غير الصحيح الذي تمكن من تغيير المفاهيم التربوية السليمة، وفتح باب التضليل الذي سهل مرور الفتنة والدجل الى اعماق المجتمع.
يعيش الإسلام في الوقت الحالي مرحلة صعبة من الأزمات والتشكيك، فنرى بإن جميع اصابع الإتهام تتجه نحو اسلامنا البريء من كل التداعيات التي ظهرت عليه، من قبل الأيادي الخبيثة التي حاولت تشويه مبدأ الاسلام واعلانه بصورته غير الصحيحة... وذلك بهدف النيل من الإٍسلام!.
فعندما نشاهد شخص يسرق وهو يرتدي بزة الشيخ وعمامة بيضاء، سيكون التعليق على المنظر، شيخ يسرق!، ولكن عندما تتعمق في الموضوع من الممكن ان تجد بأن هذا الشخص هو سارق دنيء ولكنه متنكر بزي الشيخ!، والهدف من هذه المسرحية هو تشويه صورة "الشيخ" واظهاره بهذه الطريقة الدنيئة والصاق صفة السارق عليه.
فتشويش الحقائق واللعب على اوتار الشبهات من المستحيل ان تأتي عبثاً، بل هنالك جهات خاصة تتقصد في عملية التكذيب، وتحاول زرع الفتنة في ربوع المجتمع الاسلامي وزعزعة الامن الداخلي للوصول الى اهدافهم الدنيئة.
ومن ابرز وسائل التزييف المستخدمة حالياً هو التضليل الإعلامي الذي بات يستوطن الكثير من القضايا والأمور وبالأخص السياسية منها، وبالرغم من ان كل شيء بات مكشوفاً للعيان، الاّ ان المواطن يحتار في من يصدق، وبأي خبر يأخذ، فالحقيقة احياناً تضيع بين المتناقضات، وبما اننا نواكب عصر الصورة فغالباً ما نجد التضليل والتزييف الإعلامي يتربع على عرشه عن طريق صورة مفبركة كانت او حقيقية، فقد اصبح استخداماتها في الإعلام هي الوسيلة الأولى الخادعة لتشويه الحقائق، على الرغم من انها تعتبر جزءا من الحقيقة ولكن غالباً ما يتم صياغتها بطريقة خاطئة، فالفبركة باتت امر سهل جداً في العصر الحالي، فبإستخدام ادوات وبرامج تقنية يمكن صناعة صورة لا تشبه الحدث والموقع الحقيقي، ومن الممكن نشرها في اي موقع منلمواقع التواصل الإجتماعي، لنجدها بعد برهة من الزمن قد وصلت الى العالم اجمع، فتنقلها وسائل الإعلام دون التأكد من صحة الحدث.
كما يمكن لوسائل الإعلام اخذ صورة تتعلق بحدث معين في بلد معين وتقديمها كشاهد لما يجري في بلد آخر وزمن آخر، وهذا ما نشاهده كثيراً في وضع الحروب، والأزمات، والمظاهرات، وهذا التضليل البصري يهدف غالبًا لكسب مشاعر الناس، والإٍستحواذ على عقول المتابعين، كما انه يحوي على كمية من الوحشية والعنف الذي يذهب بعقل المتابع وعواطفه لشدة قسوتها على النفس، والتأثير الكبير الذي يتركه على الأفكار والعقل، فالغرض الأساسي من هذا الفعل هو تشويه الحقائق المطروحة، وتزييف الواقع على حساب الجهات الخادعة التي تحاول زرع الفتنة والعنف في نفوس العالم.
وهنالك بعض النقاط المهمة التي تقي الافراد من الوقوع في مصيدة التضليل منها:
1- زيادة نسبة الوعي عند الافراد يلعب دوراً مهماً في عدم تصديق كل ما يجري في البلد، ومن المهم جداً ان لا يصدق الناس الاخبار التي تصدر وتنتشر بسرعة الاّ بوجود دلائل عقلية تثبت صحة الخبر.
2- التدقيق في أخبار ومصادر وسائل الإعلام التقليدية والمشهورة ضرورة لابد منها في مرحلة التشكيك، ولكن التدقيق في أخبار شبكات التواصل الاجتماعي، التي تنتشر بلمح البصر بين الناس، هو أولى وأوجب، وبخاصة ان الكذب والتشويش فيها كثير، وأخطر ما يحصل هو استخدام أخبار وصور مفبركة، لتهييج الناس نحو اتجاهات سلبية.
3_ إذا كان المرء لا يستطيع التدقيق في كل خبر، فعليه ان لا يصدّق أي خبرٍ يراه او يسمعه، كي لا يقع ضحية التضليل، ويُمَرِّرَه عبر أجهزته للآخرين، اذ انه بهذه الطريقة سيعتبر من المشاركين والمساهمين في انجاح عملية التضليل، وذلك عن طريق نشر وترويج الأكاذيب المطروحة.
4_الابتعاد عن متابعة المواقع والشبكات التي يشك العالم بمصداقية اخبارها.
5_ تشديد الرقابة من قبل الجهات المسؤولة، وفرض عقوبات وخيمة للجهات التي تصنع الخبر الكاذب وتشجع على ترويجه.
وعلى كل حال هذا العالم ليس عالماً مثالياً، ولا يعمه السلام والعدالة، كما انه لا يخلو من الكذب، والحقيقة لا تأخذ مجراها الصحيح دائماً، فمادام هنالك صدق، اذن هنالك كذب وتضليل ودجل، ونستطيع ان نقول بأن تضارب المصالح واختلافها وتضادها دائما تخلق ايادي خبيثة تحاول دس السم في ربوع المجتمعات وخصوصاً الاسلامية منها، بهدف النيل من اهداف الاسلام السامية وتشويش الرسالة التي خلق الاسلام من اجلها.
وغالباً ما يتم ذلك عبر اسلوب القوة الناعمة التي تؤثر ببطء وعلى المدى الطويل، وتترك آثاراً فكرية بالغة، دون أن يلاحظها الكثيرون، اذا تعد الحرب الناعمة كقذيفة 60 لا صوت لها، ولكنها تفتك بالمجتمع وتدمر سلامه الداخلي.
اضافةتعليق
التعليقات