اسدل الليل ستاره المرصّع بألماس الامنيات، ومعه اسدلت اهدابها، بقلبٍ خافق، يخفقُ بطوفان الالم والفرح، عادت بدوامة الزمن، تصارعُ ذاكرتها تلك الاحداث التي هدّت امنياتها الزهرية، رفعت جفنها ببطئ تنظر الى تلك النجمة البلورية، انسابت دمعة من مقلتيها تزيد بريق تلك المُعَلّقة تحتضن القمر، اطلقت العنان لمسير الدموع ليَحط في المحطة الاولى لقطار تحطيم الرغبات، عادت لتَقْلِب رُمَيْلات زمانها لتعود الى ذكريات الامس البعيد..
دخلت تحمل بين خدودها الوردية فرحة الحلم الذي لم يبقَ على اكتماله الا ايام، دخلت المنزل ببهجة، رأت المنزل فيه آثار الضيوف خاطبت نفسها: (ترى هل سبقته والدته في المجئ؟! لكن هو قال في الغد تأتي)، دخلت لتجد انياب اختها بارزة من كثر الضحك وليست كالعادة.
سألت بنبرة القلق: خير، ماهذه الضحكات المتعالية، اجابتها امها: اذهبي وارتاحي وسنخبرك فيما بعد، عقبت اختها: (ويأتيك بالأخبار من لم تزود)، قالت بإصرار: لا لن اترككم حتى تخبرونِ.. اسرعت الاخت بالإجابة: هناك عريس لك، قفز قلبها وهي تسمع هذا الخبر هل تحقق الحلم!
اعقبت اختها: احزري من؟
اجابت بهدوء: من؟
_انه فؤاد ابن عمي.
استشاطت غضبا وهي ترى ابريق امنياتها يُسكب ارضا.
_كم مرة اخبرتكم اني اختلف تماما بالتفكير مع فؤاد لماذا تصرّون على هذه السيرة.
قامت اختها واتكأت على كتفيها لتقول:
ايتها المجنونة اي تفكير ذاك، هل رأيت كمّ الذهب الذي ارتدته منال اخته في الحفل، ياغبية هم يدللون نسائهم ويعتنون بهم، قاطعت جملتها هاتفة: اي مداراة تلك!
لتتجه الى امها: امي انت تعلمين انه لاينام ليلا الا على اصوات الطرب ولايستفيق الا اذا انتصف النهار، ولايملك حتى شهادة، امي من لم يخاف ربه، يفعل اي شيء، اي تهلكة هذه التي تريدون رميي بها؟!
قاطعت كلامها الاخت لتقول: نعم ترفضين فؤاد لانك مفتونة بذلك الريفي المعتوه الذي لايملك حتى منزل يسكنك فيه يرميك في بيت اهله لتقضي حياتك بين الحيوانات.
قاطعتها بحدّة: لا تتكلمي عن حسين هكذا فهو اكثر ثقافة والتزام من ابن عمك زير النساء ذاك،
يكفي التزامه بدينه، مافائدة القصر مادمت اعيش التعاسة بعينها فضلا عن ذلك هو يملك شهادة وهم من طبقة متوسطة ماالعيب في ذلك، وليكن في حسابك ابن عمك ذاك ينظر لي كفتاة جميلة فقط ليفاخر بها امام اصدقائه ولا يهمه اي شيء آخر.
ارادت الاخت ان تُرجع كلامها قاطعتها الام، قائلة بصرامة: حُتِم الامر وعقد القران الاسبوع القادم، خرجت الام والاخت التي كانت اخر نظرة لها نظرة ازدراء، ليتركوها تصارع عاصفة التفكير بالقادم، خائرة القوى، نازفة القلب وقفت امام المرآة تشاهد زينة الكواكب التي على سماء قلبها المظلمة، شاهدتْ شمس محياها التي اختفت خلف كسوف روحها، نعت نفسها الف مرة في تلك السيارة الفاخرة، وصلت الى قصر التعاسة، الى عرش تلك الغرفة التي ستكون منفاها، لتختم تلك المأساة، برفع يديها لتلمس تلك الندوب على وجهها وهي تتذكر تلك السنين التي عاشتها مع ذلك الوحش وكل طلباته التي يأخذها بوحشية.
رفعت اناملها بهدوء لتلمس الندب الاكبر الذي سكن اعلى جبهتها اعاد لها ذكرى المحطة الاخيرة من ذكريات ذلك القطار، حيث امرها بالذهاب الى الحفل المختلط لاحد اصدقائه واصرّ ان تذهب بزينة كاملة وان تترك الغيمة السوداء التي ترتديها ولما رفضت انهال عليها ضربا وعندما علت المشادة بينهما شجّ رأسها بالمفك القريب من الطاولة، علت ضحكاتها الساخرة ونظراتها تحاكي بريق نجمها، (عندما رأوني مغطاة بالدماء ورأسي تلفّه اللفافات، جئن يتراكض وتعلو كلماتهن ب(قتلها الذي لايخاف الله) في تلك اللحظة عرفوا انه لا يخاف ربه، يا للسخرية).
تعالى صوت انفاسها المتحسرة ليرن في اسماع جدرانها الاربعة وتنهال بعدها دمعة ترسم على صدغها لوحة ضياع ، رفعت يدها في الهواء لتصنع شكل الناظور على عينيها بحركة طفولية اعتادت عليها كلما نظرت الى ذلك النجم، علت ابتسامة واهية على شفتيها (اتذكر! لم تحققِ لي سوى امنية واحدة من تلك الامنيات، الامنية التي ستتركني رهينة لالسنة المجتمع) رفعت رأسها الى السماء لتقول: لك الحمد يا ربي ابغض حلالك ولا الحرام.
اضافةتعليق
التعليقات