تزوجت كما تتزوج كل فتاة وبعد أقل من سنة عادت إلى بيت أهلها وفي عينها ألف سؤال وألف حسرة وألف دمعة محبوسة.. كان الندم يأكل قلبها وعيون أهلها المتألمة تمزقها كل يوم.
وبعد أن اعتادت على هذه النظرات وأصبحت تتأقلم مع الوضع وعادت الضحكة إلى شفتيها وفتحت الزهور عبر وجنتيها وعاد صوتها ذلك الرنان الذي كان يهز جدران بيت أهلها كما كان قبل زواجها. فكر زوجها بالعودة إليها!.
بعد ستة أشهر من الضياع والفراق والحرمان حتى أن ذاكرتها بدت بمسح جزءا جزءا من ملامحه التي لم ترَ منها سوى الجفاء ولم تكن كما تمنت فقد خذلتها تلك الملامح عدة مرات إلى أن قررت النسيان.
وقفت بكل قوة وحزم وقالت: لا.. لا أريد الرجوع إلى العبودية، أنا حرة، ولا أريد أن أحبس بقضبانه، لن أرجع فقد حسمت أمري، هنا تعالت الأصوات فوق صوتها وجاءت الخالات والعمات، كيف تطلق بنت من عائلتنا؟ ماذا سيقول الناس؟ ارجعي فالمرأة في مجتمعنا يجب أن تداس وتتحمل مزاج زوجها وتتذلل له عندما يعنفها لكي يرضى عنها الناس ويكون هو السيد وهي المداس.
أصبحت في صراع كبير بين عقلها الذي حسم موضوعه ورفض العودة والخضوع وبين أذنها وما تسمعه من كلام الأهل والأقرباء، دام الصراع يقوى ويقوى وصرخات الأهل والأمثلة تكثر، انظري إلى عمتك التي انهكها تعب زوجها وهي مازالت تقاوم ضربه لها وتعنيفه، إنها فعلا بطلة واجعلي أمك التي انحنى ظهرها من عدم التفاهم مع والدك قدوة لك.
تصاعدت أصواتهم فوق صرخات بنات أفكارها وانحت ولم ترفع رأسها أبدا بعدها، وخضعت إلى كلامهم وذهبت لتقاتل حتى يصفقون لها ويعطوها وسام البطولة كما فعلن الاخريات، ذهبت ونفت نفسها خلف ذلك السجن الفولاذي وجلست خلف قضبان ذلك السجن الملعون وهي على يقين أن لن يتغير ذلك المخلوق وسيستمر بتعنيفه لها، ولكن ارضاءً لمجتمعها رجعت وهي مكسورة.
وبعد خمس سنوات من الصراع المستمر رجعت وهي تحمل بيدها طفل وفي الأخرى تمسك بطفل آخر ترجت وبكت وصرخت ولكن هذه المرة أطفالها كانوا هم فاكهة الحديث، يجب أن تضحي من أجلهم وماذنبهم يعيشون بين أم وأب مطلقين وهذه هي قسمتك وغدا سيتغير. اسكتي وتحملي ظلم زوجك وضربه لك من أجل أطفالك.
رجعت وبعد أيام عادت لهم في تابوتها، اختارت الموت على أن تكمل حياتها مع هذه القسمة التي الصقوها بها، هنا أهلها فجعوا لمماتها ولم يعلموا بأنهم ابنتهم ماتت حينما رجعت أول مرة الى زوجها وفي هذه المرة هم خسروا ابنتهم وأطفالها خسروها وهي خسرت كل شئ.
انظروا إلى الجانب الآخر، لا تجعلوا الضغط الأكبر على المرأة ويجب أن تتحمل هي فقط، فالحياة مشتركة بين الرجل والمرأة، عليها التحمل وعليه المراعاة، عليها الطاعة وعليه الاحترام، لا تحملوا المرأة أكبر من طاقتها في حين الرجل يتمادى بظلمه لها.
قال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: "رفقآ بالقوارير"، ارفقوا ببناتكم ولا تضغطوا عليهن مقابل ارضاء المجتمع، عندما تزوجين ابنتك لن تكملي مشوارك مع ابنتك وتنهي رسالتك معها كما تظنين وتتركيها في بيت زوجها بدون السؤال عليها كمافعلت والدتك، فالزمن تغير والنفسيات تبدلت ولكل زمان حكاية ولكل حكاية لسان، عندما تتأخر ابنتكم عن زيارتها المعهودة اسألوا عنها، وعندما تأتي لكم مشتكية اسمعوا لها وإن كان الخطأ منها ارشدوها، أما إذا الخطأ من زوجها كلموه وبينوا له خطأه ولا تجعلوا منه فرعونا عليها عندما تحثوها على تحمل الخطأ والضرب والاهانة، أصلحوا بينهم بالحسنى وإن لم يحدث فاختاروا أبغض الحلال قبل فوات الأوان.
اضافةتعليق
التعليقات