الذكاء الروحي للمرء يتعلق بكيفية اكتساب الصفات وإنمائها، وهو أيضًا يتعلق بحماية وتنمية الهوية الأخلاقية والعاطفية، فالذكاء الروحي ينبثق بطبيعة الحال من الذكاء الشخصي، والذكاء الاجتماعي، والذكاء الشخصي هو معرفة المرء وتقديره وفهمه لذاته، بينما الذكاء الاجتماعي هو معرفة المرء وتقديره وفهمه للآخرين، ثم ينتهي الحال بتقدير وفهم كل أشكال الحياة الأخرى والكون كله، وهذا هو الذكاء الروحي، بل إن أهم العناصر التي يعتمد عليها إنماء الذكاء الروحي يكمل في الاتصال بالطبيعة وتقديرها وفهمها .
الاحتياج لتحقيق الذات :
حين وضع عالم النفس الأمريكي الشهير «أبراهام ماسلو» هرمه الشهير لأولويات الاحتياجات الإنسانية عامة، والذي عرف بهرم «ماسلو»، وضع الحاجة إلى تحقيق الذات عند سفح الهرم، فقد كان ترتيبه على عدة مراحل من تطور الصراع الإنساني على البقاء والتطور الروحي:
الحاجة إلى العائلة
الحاجة إلى التعليم
الحاجة إلى الطعام
الحاجة إلى المأوى
الحاجة إلى الصحة الجسمانية
الحاجة إلى الاندماج الاجتماعي
الحاجة إلى الإنجاز الفكري والاجتماعي والمادي «أي تحقيق الذات».
وعندما ينجح الإنسان في إشباع هذه الحاجات يصل إلى المرحلة النهائية من التطور البشري.
وقد قام إبراهام ماسلو بتعريف تحقيق الذات على أنه حالة روحية يتدفق فيها إبداع المرء ويصبح مرحًا ومتسامحًا ومثابرًا ويسخر نفسه من أجل مساعدة الآخرين، وكل هذا يتحقق في ظل بيئة من التعاطف والحب، وكلّ ما ذكره «ماسلو» يدخل في نطاق ما نطلق عليه نحن (الذكاء الروحي).
وبالرغم من السيل الذي تفيض به وسائل الإعلام يوميًا من أخبار مزعجة، إلا أن تلك الأخبار قد تحمل في ثناياها بعض الجوانب المشرقة، فالكوارث الطبيعية مثل الزلازل والانهيارات، الجليدية والأعاصير والفيضانات، بل وحتى الكوارث البشرية من حروب ومذابح، وكل ذلك ما يسبب لنا المعاناة والآلام عند رؤيته، لكنه على الجانب الآخر يثير في أرواحنا مشاعر التعاطف والتضامن مع ضحايا تلك الكوارث، فتلك الأخبار تساعدنا بشكل أو بآخر على التخلص من النمط الآلي لحياتنا التي نعيشها، وتجعلنا ندرك أشياء تفوق ما هو مألوف، وهذا الإدراك أو التبصر قد تثيره بعض الأشياء مثل الميلاد أو الموت أو فقدان الحبيب أو رؤية الشروق أو الغروب، أو حتى التأمل في لوحة جميلة، كل هذه الأشياء هي التي ألهمت أرواح كبار الشعراء والموسيقيين عبر التاريخ.
هناك العديد من الناس في المجتمعات المرفهة قد أصبحوا يسأمون حياتهم المادية السطحية، وبدأوا يبحثون عن منظومة جديدة من القيم تعينهم في حياتهم وتعطيهم الإحساس بالمسئولية والانتماء تجاه العالم بدلًا من حياتهم الهشة التي يحيونها .
وقد أثبتت الإحصاءات والاستفتاءات الحديثة أنه لأول مرة في التاريخ ازدادت نسبة النازحين في العالم الغربي من المدن الكبرى إلى الضواحي أو إلى الريف، ذلك لأن هؤلاء الناس ينفرون من الحياة في المدن الكبرى، ولكن لماذا؟ لأن الكثير منهم يشعرون وكأن حياة المدينة تسلبهم أرواحهم، فهم يحتاجون للتواصل مع أنفسهم والتواصل مع الطبيعة، والإحساس بالوحدة البشرية التي يفتقدونها في زحام المدينة، فهم يريدون أن تكون للحياة قيمة أكبر، وأن تُغذى أرواحهم بدلًا من استنزافها .
إن الرجال العظماء هم الذين يؤمنون بأن الروحيات أقوى وأهم من أي قوى مادية، لقد اجتاح العالم بأكمله حزن جار تجاه خبر موت الأميرة ديانا (أميرة ويلز) البريطانية، اعتبر البعض ذلك الحزن تجليا مزعجًا لسلطة حياة المشاهير وأثرها على الناس، وكيف أن خواء حياة البعض يدفعهم إلى الاقتداء بحياة المشاهير وتتبع أخبارهم، ولكن هناك رؤية أخرى للموضوع، وهي أن الناس قد تجاهلوا اختلافاتهم وانتماءاتهم ليشتركوا في الحزن على رحيل امرأة ومعاناتها الشخصية، فبالتالي طغت قوة روحها على أرواح من حزنوا لموتها... وبعيدًا عن زحام وإزعاج العالم الذي نعيش فيـه الـيـوم، نجد أنـه يـمـر بمرحلة رائعة من النمو الروحي، والقوة الروحية التي نمتلكها جميعًا هي قوة لا تفنى.
اضافةتعليق
التعليقات