تستحوذ أخطاء التواصل بين الزوجين على معظم المشكلات الزوجية والأسرية، اذ كثيرا ما تنزلق الحوادث الزوجية إلى الصراخ والتخاصم وتشكل طلبات ورغبات الزوجة غالبا مادة للحوارات الزوجية الصاخبة، والتي تنتهي في كثير من الأحيان إلى عدم التوافق والوصول إلى تسوية مقبولة بينهما، مما يتسبب في التصادم وتأزيم الموقف ومن ثم في فتور العلاقة الزوجية.
بهذه الأسطر افتتح المؤلف محمد حسن العليوات مقدمة كتابه الموسوم ب (لا ناعمة).
وهو كتاب من الحجم المتوسط (٦٨) صفحة.
يوجه القراء وبالخصوص المتزوجين منهم إلى ضرورة انتقاء الاسلوب المناسب في التعبير والحوار بينهما كي تسير سفينتهما إلى بر الأمان.
والفكرة الأساسية التي يطرحها الكتاب المذكور هي كيف يستطيع الزوجان العبور وتجاوز مطبات الحياة الزوجية بأسلوب ذكي ينطوي على الحنكة والحكمة معا.
فنحن نعلم أن هناك الكثير من الزوجات يشتكين رفض طلباتهن بشكل قاطع، وبكلمات جافة وردود خشنة من قبل أزواجهن، ويتكرر ذلك كثيرا منهم.. ولا يخفين الأثر النفسي الذي يصيبهن، وما يعقب ذلك من فتور في العلاقة الزوجية جراء ذلك كله.
ولأن الحياة اليومية مليئة بالرغبات والطلبات الزوجية وهذا ما يتناسب طردا مع زيادة التصادم والاشتباك الزوجي.
فعلى سبيل المثال يمكن أن يكون طلب الزوجة الخروج للتسوق يؤزم الموقف عندما يقابل بالرفض التام من الزوج.
وربما يكون طلب السفر في وقت ما يفجر أزمة بين الزوجين.
يستعرض المؤلف في البدء تعاليم الدين ويسوقها كمنهج حلول لكل معضلات الحياة الزوجية والأسرية فيقول تحت عنوان: برّوا عيالكم..
ترشد التعاليم الدينية الى تلبية حاجات الزوجة وتسهيل طلباتها ما أمكن لذلك سبيلا، فان الحياة الزوجية مبنيّة على الرحمة والإحسان، وليس على التعسير والمداقّة والمحاسبة... وهذا مقتضى المعاشرة الطيبة والجميلة، وقد ورد في هذا روايات عديدة منها ما ورد عن الامام الصادق (ع) قوله:(ان المرء يحتاج في منزله وعياله الى ثلاث خصال يتكلفها وان لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة وسعة بتقدير وغيرة بتحصن).
وفي الرواية إشارة لطيفة لإرشاد الأزواج الذين تنقصهم بعض صفات ومهارات المعاشرة الجميلة أن ينتبهوا الى ذلك وأن يسعوا الى إظهارها وتكلّفها.
وتحت عنوان (الإعراض والرفض مبادىء وقواعد)
يقول المؤلف: في الغالب يقدّم الأزواج مبررات لا ترضي الزوجات، ولا تكون كافية لإقناعهن بالتخلي عن مطاليبهن حتى لو كانت صحيحة وعقلانية، ويرجع ذلك غالبا الى طريقة التواصل الحواري بين الطرفين، وكذلك الى صيغة رفض الطلب والتي تكون عادة قاسية وانفعالية، اذ تخرج (لا) قوية حادة مزلزلة خالية من المداراة واستيعاب الطرف الاخر.
ويتحدث القران الكريم عن ما يمكن ان أسميه (اخلاقيات الرفض والإعراض) في سورة الاسراء تقول الآية: (واما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا).
اما الخطوط العريضة _ والقول للمؤلف _ من اخلاقيات الإعراض والرفض للطلب يمكن استخلاصها من الآية هي كالتالي:
١/ الصدق وقول الحقيقة
الحكمة في قول الصدق والحقيقة انّ سوق المبررات الكاذبة والتذاكي على الطرف الاخر مآله الانكشاف، وستتضح حقيقة الموقف عاجلا ام آجلا.
بمعنى آخر لم يكن اعراضه وتمنّعه مجرد مبررات كاذبة ليست لها واقع، وطريقة للهروب من المساعدة وتقديم الخدمة المطلوبة، وتخلي عن المسؤولية الاخلاقية (الزوجية والأسرية) بل انه يقول الحقيقة وانه بالفعل غير قادر على المساعدة ماليا مثلا، وفي حالة اخرى قد يكون متعبا حقا وغير قادر على الذهاب معها الى طبيب.
٢/ القول الجميل (فقل لهم قولا ميسورا)
وهي دعوة قرآنية للمؤمن بالتحلي بافضل الاداب والصفات الاخلاقية، عندما يقرر التحفظ والامتناع عن مساعدة الغير، فينبغي ان يقولها بلطف وبلين وان يقولها ناعمة ليقبلها الطرف الاخر ويستسيغها، ويكون وقعها عليه اسهل ولا تكون ( لا) حادة خشنة تبعث على الاشمئزاز والكراهية.. إذ القول الودود يشعر الطرف الاخر بالتقدير والاحترام وحفظ الكرامة والاعتذار الجميل يحفظ الود ويبقي المكانة ويمتص الغضب.
ومما يؤسف له فان بعض الأزواج يقول (لا) حادة خشنة مستفزة للطرف الاخر ومخيبة للآمال ولا تحقق النتائج المرجوة، بل تزيد الطين بلة كما يقال، وتفجر المشكلات البينية وتضرب العلاقات الزوجية في الصميم.
وتحت عنوان:_( مهارات الطلب أفكار وحلول)
يوجه المؤلف الكلام للزوجة، ويطرح أمامها عدة مقترحات عملية وحلول واقعية أسماها ب (المهارات) تستطيع الزوجة من خلالها الوصول برسالتها إلى التوافق المطلوب.. منها:
*التوقيت المناسب.
* لا تحملّيه ما لا يطيق
* إختيار الكلمات المناسبة
* الطلب بشكل مباشر
*الإيجاز في الطلب
* أشعريه بتقديرك
* لا تستعجليه الرد
* لا للإلحاح
* قدّمي لزوجك الكثير من الإمتنان.
فإذا أردت أيها القارىء أن تفهم استراتيجية الإعراض الناعم، ما عليك سوى مطالعة هذا الكتاب القيّم.. ومن أجل بناء أسرة سعيدة هانئة لا تعتريها المنغصات، ولا يعكر صفوها كدر المطبات عليك ب (لا ناعمة) لمؤلفة محمد حسن العليوات، لأنه بالفعل من الكتب التي تستحق وبجدارة أن تغوص في أعماقها لتستخرج لآلىء الحكم وتنهل من صفحاتها عذب ماء رقراق تسقي به جنبات حياتك القاحلة.
اضافةتعليق
التعليقات