لماذا الزواج؟
ما من مخلوق في الكون إلا ويحتاج إلى مملكة وهذا ما يعبر عنه بالزوجية؛ فالحيوان والنبات وحتى الجماد يشمله قانون الزوجية. والإنسان ليس بخارج عن هذا القانون بل هو محاط بقوانين الطبيعة والسنن الكونية وهو في تفاعل مستمر وتعامل دائب معها وليس في وسعه أن يخالف نظام الخلقة قيد أنملة، وسنة الزواج سنة كونية يشد فيها البعض بعضاً وهو ما يدعى بـ(الزوجية العامة).
لقد أثبت العلم الحديث أن كل ما في الكون من الكائنات يخضع لقانون الزوجية. وهذه الحقيقة كشفها القرآن قبل 14 قرناً حيث قال تعالى: (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون)(1).
وبما أن الإنسان محكوم بالطبيعة فلا مفر له ولا مهرب من الزواج وإلا فسيصاب بأمراض شديدة وأزمات حادة تكبر شيئاً فشيئاً حتى تصل به، كما يقول علماء النفس، إلى مرحلة الجنون.
إن الإقبال على الزواج هو من أفضل مراحل الكمال ومن أهم ما ندب إليه الإسلام مضافاً إلى أنه أمر عقلي وفطري وبدونه لا يمكن عادة للشاب أو الشابة التورع عن المحارم إلا من عصم الله.
ولا يخفى أن للإعراض عن الزواج عواقب وخيمة في الدنيا من أمراض وتعقيدات نفسية وغير ذلك ناهيك عن العذاب الأخروي، كما قال رسول الله (ص): (شرار أمتي عزابها)(2).
أما هذه الأيام فحيث أن ظاهرة الزواج قلت وأخذ البعض بالعلاقات غير المشروعة فقد انتشرت الأمراض كالإيدز وأمثاله مما تعاني منه الإنسانية أشد المعاناة، وتلافياً للأخطار الراهنة لابد من الاهتمام بأمر الزواج وتقديم التسهيلات الممكنة لجيلنا المعاصر.
هذا وقد كشفت الدراسات العلمية أن العزوبية أشد خطراً من التدخين، وأن العازبين أكثر تعرضاً للأمراض والوفاة من المدخنين، وأن للزواج فوائد عديدة غير متوقعة، حيث وجد العلماء الأخصائيون أن الرجال والنساء المتزوجين يتمتعون بصحة أفضل من نظرائهم العازبين.
ويعتقد الباحثون أن السبب في ذلك يرجع إلى أن الزواج يزيد من استقرار الحياة ويخفف من التوتر والمشكلات المصاحبة لها كما أنه يشجع على اتباع أنماط الحياة الصحية المفيدة، وتجنب السلوكيات الضارة كشرب الكحوليات واستخدام المخدرات، وأن وجود شريك في الحياة يؤمن الراحة والاطمئنان والعناية الصحية للإنسان وخاصة في أوقات المرض.
وقالوا: يتضح يوماً بعد يوم أن الزواج هو السر وراء التمتع بحياة طويلة وليس المال؛ إذ بيّنت آلاف السجلات الطبية لإحصاءات التقاعد والإحصاءات المنزلية البريطانية التي استمرّت سبع سنوات أن الرجال المتزوجين أقل عرضة للوفاة بحوالي 9% مقارنة بغير المتزوجين.
كما ذكرت بعض الدراسات أن واحداً من كل أربعة رجال ونساء يعاني من البؤس والتعاسة النفسية بسبب كونه عازباً أو عازبة.
وأكدت الدراسة أن المتزوجة المنجبة أقل عرضة للأمراض والمشاكل النفسية من قرينتها التي لم تنجب.
موانع الزواج:
يرى الإمام الشيرازي (قدس سره) أن هناك موانع مصطنعة سببت الابتعاد عن الزواج وتأخيره، يلزم إزالتها.
فالإسلام دين قوامه القرآن وسنة الرسول (ص) وسيرة الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وما نراه اليوم هو أن أغلب المسلمين منذ أن دخل المستعمر بلادهم وأخذ بسلب لبّهم وتغيير أفكارهم، أصبحوا لا يعتنون بالقوانين الإسلامية التي أمر بها الدين الحنيف. وهذا سبب لهم العديد من الأزمات، كما أن الابتعاد عن الدين سبب الكثير مما نراه من رواج الفواحش والمنكرات بمختلف ضروبها وأشكالها.
وإن المجتمع والإنسان هما المسؤولان بالدرجة الأولى عن هذا الانحراف.
1- مشكلة السكن:
إن مشكلة السكن وتهيئة المسكن تعد اليوم من أبرز مشاكل الزواج، وذلك بعد ما عطلت الحكومات الجائرة القانون الإسلامي القائل بإباحة الأرض لمن عمرها، فإن الأرض كنور الشمس وماء المطر والهواء ملك مباح للجميع، وقد قال رسول الله (ص): (الأرض لله ولمن عمرها)(3).
فالشاب إذا لم يتيسر له المسكن لا يقدم على الزواج لأن كل فتاة وشاب بحاجة في الزواج إلى مسكن من غرفة ودار أو ما أشبه وهو بحاجة إلى أرض، ولكن الحكومات قد استولت عليها مدعية أنها ملك لها وأن تملكها يحتاج إلى مال وإجازة وموافقة ولذلك ترى أكثر الشباب لا يقدرون على شراء الأرض والسكن، فلا يقدمون على الزواج فإذا سألت الشاب لماذا لا تتزوج؟ فيقول: لا أملك مسكناً والأجور مرتفعة، ولا أتمكن من سدادها، فليس أمامي إلا العزوبية لضيق ذات اليد.
علماً بأنه يمكن العيش في غرفة أو بيت متواضع دون الحاجة إلى كثير من التشريفات والمباهج اليومية.
2- تشتت الأمة الإسلامية:
ومن موانع الزواج إلغاء الأمة الواحدة. إن الإسلام جعل المسلمين أمة واحدة، لا فرق بين عربيهم وأعجميهم، كما قال سبحانه: (إن هذه أمتكم أمة واحدة)(4).
ومن المعلوم أن وحدة الأمة بمعنى عدم وجود الحدود الجغرافية بين البلاد الإسلامية وعندئذٍ يتمكن المسلمون من الذهاب والإياب والإقامة والسفر بكل سهولة، ولا يمنعهم مانع من الزواج فيما بينهم. أما اليوم فهناك مشاكل قانونية عديدة تمنع الكثيرين من السفر إلى سائر بلاد المسلمين والتعرف عليهم.
3- إلغاء الأخوة الإسلامية بين المسلمين:
من أسباب إعاقة أمر الزواج عدم تطبيق قانون الأخوة الإسلامية، كما قال الله تعالى: (إنما المؤمنين أخوة)(5) حيث أن بعض حكومات البلدان الإسلامية تمنع زواج أبنائها من الذين لا يملكون جنسيتها، فإذا كان لأحد الزوجين جنسية مختلفة عن الآخر فلا يمكنهما الزواج، فاقتران الفارسية بالعربي، أو العربية بالفارسي، أو حتى العربية بالعربي، أو الفارسية بالفارسي، إذا لم يحملا نفس الجنسية، ممنوعٌ حتى إذا كانا يتكلمان بنفس اللغة.
بينما القانون الإسلامي يقول: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)(6).
نعم، أصبح من عوائق الزواج: الاختلاف القبلي والطبقي وما أشبه مع أن الإسلام ألغى كل ذلك واشترط الكفاءة وحبذ الأخلاق والدين.
4- غلاء المهور:
من الأمور التي تقف عقبة في طريق الزواج هو ارتفاع المهور وغلائها وقد جاء في الروايات عن الرسول الأعظم (ص) وأئمة الهدى ذم المهور الزائدة ومدح قلتها، فعن رسول الله (ص) أنه قال: (أفضل نساء أمتي أصبحن وجهاً وأقلهن مهراً)(7).
إن هذا الحديث الشريف يوضح للبشرية جمعاء مدى اعتناء الإسلام العزيز بمسألة قلة المهور وعدم جعلها عائقاً يحول دون إقدام العزاب على الزواج.
فقد زوج رسول الله (ص) ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) على مهر زهيد ليلقّن البشرية درساً بالغاً في الأهمية وهو أن المناط في الزواج ليس زيادة المهر وما شابه بل هو الإيمان والتقوى والأخلاق الحسنة.
عن أبي عبد الله (ع) قال: (زوج رسول الله (ص) فاطمة على درع حطمته وكان فراشهما إهاب كبش يجعلان الصوف إذا اضطجعا تحت جنوبهما)(8).
وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (.. فأما شؤم المرأة فكثرة مهرها وعقوق زوجها)(9). مضافاً إلى أن عدداً من المشاكل العائلية تعود إلى غلاء المهور.
وكان الإمام الشيرازي (قدس سره) نموذجاً عملياً في تطبيق قانون الزواج الإسلامي وقلة المهور، فلما خطبوا حفيدته وأرادوا أن يبذلوا لها مهراً كثيراً لم يرض بذلك وقال: فليكن مهرها مهر السنّة الذي هو مهر فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فلما سألوه: لماذا قلة المهر، فإن المهر الكثير مفخرة لنا؟ فأجاب الإمام الشيرازي (قدس سره) بأن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء كان مهرها قليلاً جداً وهل أن ابنتي أعز وأكرم من ابنة رسول الله (ص)؟ كلا وألف كلا.
ثم تم إجراء العقد على مهر السنة وكانت الدموع تجري على خدود الحاضرين.. نعم، إذا أردنا القضاء على مشكلة العزوبة والخلاص من تبعاتها الكثيرة فلا بد لنا من الرجوع إلى القرآن الكريم والروايات الشريفة والآداب الإسلامية والتأكيد عليها؛ ففي الأمس القريب كان المسلمون لا يعرفون شيئاً اسمه مشكلة العزوبة، إذ إن المهور عندهم لم تتجاوز مهر السنة وهو مهر فاطمة الزهراء (عليها السلام) بل كان يقل عنه في كثير من الأحيان.
5- تعقيدات وتشريفات زائدة:
من موانع الزواج الأخرى كثرة الشروط التي تملى من قبل أهل الزوجة أو الزوج، فنرى كثيراً من الشباب والشابات لم يتمكنوا من الزواج بسبب ما وضع أمامهم من عقبات ومتاعب في هذا الطريق، كتعدد المتطلبات الإضافية من شراء الوسائل والتجهيزات وتوفير الأثاث ووليمة الزواج وغيرها، بما يفوق المقدار الضروري واللازم.
مشكلة العزوبة وحلولها:
يقول الإمام الشيرازي (أعلى الله درجاته): إذا أردنا الخلاص من مشكلة العزوبة التي ابتليت البلاد الإسلامية من وراءها بالعديد من المشاكل وظهرت في مجتمعاتهم الكثير من المظاهر السيئة مثل كثرة الفساد وارتكاب المحارم من عدم الحجاب وشيوع الزنا والاستمناء وكثرة الأمراض الجسدية من إيدز وغيره والأمراض النفسية من الكآبة وما أشبه مضافاً إلى تأخر العالم في مختلف المجالات، والتي لم يكن لها أثر ولا خبر أصلاً في المجتمعات الإسلامية سابقاً فلا مناص إلا بالرجوع إلى حلول الإسلام المذكورة في القرآن الكريم والسنة المطهرة.
إن الأسرة الصالحة هي لبنة المجتمع الصالح فإذا فسدت الأسرة فسد المجتمع. والزواج خير وقاية من هذه المفاسد، ومن أهم أسباب حفظ نصف الدين أو ثلثيه كما ورد في الأحاديث الشريفة، فعن الإمام موسى بن جعفر (ع) عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (ص) قال: (ما من شاب تزوج في حداثة سنه إلا عج شيطانه يا ويله، يا ويله عصم مني ثلثي دينه.. فليتق الله العبد في الثلث الباقي)(10).
ثم يأخذ الإمام الشيرازي (قدس سره) بالتذكير ببعض التعاليم الإسلامية المهمة التي لها دور هام في القضاء على العزوبة، كالتالي:
1- حث الشباب على الزواج:
يلزم المسلمين كافة أن يعملوا بكل ما آتاهم الله من طاقة لأجل ترويج هذا المستحب المؤكد عبر الحث والكلام في مختلف المحافل والمجالس ومن خلال الكتابة والتأليف، وأيضاً يلزم حث الشباب على الزواج عبر مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمناهج التعليمية، وذلك بذكر الآيات والروايات المؤكدة على هذا المستحب وبيان فلسفتها مضافاً إلى التطرق للقصص الموجهة والإحصاءات الموجودة في هذا الباب وذكر الآثار الصحية المترتبة على الزواج وعدمه.
2- مساهمة أهل الخير والشركات التجارية:
ينبغي تشويق التجار والشركات وأهل الخير وحثهم للمساهمة في مشاريع الزواج الكبيرة التي تسهل الأمر على آلاف الشباب والشابات وتقدم لهم المعونات في بناء أسرة سليمة. عن الإمام موسى بن جعفر (ع) قال: (ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم لا ظل إلاّ ظله، رجل زوج أخاه المسلم أو أخدمه أو كتم له سراً)(11).
كما تستطيع المؤسسات والشركات التجارية أن تساهم في مشروع زواج العازبات والعزاب وتقديم المساعدات العينية والنقدية لهم، من أثاث البيت وما أشبه لتكون دعاية وإعلاناً لها.
3- الزواج المبكر:
على رأس الأمور المهمة التي أكد عليها الإسلام العزيز من أجل حل مشكلة العزوبة هو الحث الشديد على الزواج المبكر الذي يقلل من حجم هذه المشكلة.
وقد دعت الروايات إلى الزواج المبكر وأكدت على أهميته بشدة، كما قال الإمام الصادق (ع): (إن الله عز وجل لم يترك شيئاً مما يحتاج إليه إلاّ علّمه نبيه (ص) فكان من تعليمه إياه أنه صعد المنبر ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن جبرائيل أتاني عن اللطيف الخبير فقال إن الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا أدرك ثمره فلم يجتن أفسدته الشمس ونثرته الرياح وكذلك الأبكار إذا أدركن ما يدرك النساء فليس لهن دواء إلا البعولة وإلاّ فلم يؤمن عليهن الفساد لأنهن بشر، قال: فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله فمن نزوج؟ فقال (ص): الأكفاء. قال ومن الأكفاء؟ فقال: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض)(12).
وجاء في بعض التقارير العلمية: (إن البنت تبحث عمن يعاشرها منذ السن الثانية عشرة من عمرها على الأغلب). وهذا هو الذي حث الإسلام فيه على الزواج حيث أن البلوغ الشرعي للمرأة يحصل عند إتمامها تسع سنوات وقد زوج رسول الله (ص) ابنته فاطمة الزهراء وعمرها تسع سنوات.
والمؤسف أن نرى في البلاد الإسلامية في زماننا هذا المسلمين وقد تركوا العمل بآداب الزواج الإسلامية وسبب ذلك ما ورد في بعض التقارير الإحصائية، من أن خمسة عشر مليوناً من الشباب والبنات في الأعمار المناسبة للزواج يعانون من حياة العزوبية في مصر فقط وفي بلد إسلامي آخر يقرب عدد سكانه من عدد سكان مصر دلت الإحصاءات فيه على وجود عشرة ملايين نسمة من الشباب العاجزين عن الزواج.
كما تم فحص طالبات مدرسة البنات فوجدوا أن ستين فتاة منهن فقدن عذريتهن بسبب مزاولة العلاقات غير الشرعية وتعاملهن بالبغاء.
وقد روى سلمان الفارسي (رضي الله عنه) عن رسول الله (ص): (إن البنت إذا لم تتزوج وفجرت كتب الله عقوبة فجورها على أبويها)(13).
4- بساطة العيش:
من أهم ما يسهل مسألة الزواج البساطة في العيش وعدم التقيد بالماديات ونبذ العادات والتقاليد التي لا ضرورة فيها من قبيل إقامة الحفلات المكلفة، وامتلاك البيت الفخم وشراء السيارة الفارهة وما أشبه.
عندما نسأل العزاب: لماذا لا تتزوجون؟ يجيبون أننا نريد الزواج ولكن من يؤمن لنا احتياجات الحياة ولوازمها؟ إن الزواج يحتاج إلى مرتب شهري مرتفع، ورصيد ضخم في البنك، وسيارة جديدة، إلى غيرها من الأمور التي يتصور بعض العزاب أنها من مقومات الزواج. ولكن الزواج الذي أمر به الإسلام غير قائم على هذه الأمور إطلاقاً بل على العكس تماماً فإن هناك نماذج كثيرة من العزاب أقدموا على الزواج وهم لا يملكون فلساً واحداً. قال الإمام الصادق (ع): جاء رجل إلى النبي فشكا إليه الحاجة فقال (ص): تزوج، فتزوج ووسع عليه(14).
إن الكثير من الآباء والأمهات في عصرنا الراهن أعرضوا عن سنة الرسول (ص) وتمسكوا بالماديات فأخذوا باشتراط ما يمنع من تزويج العازبات والعزاب كأن يكون الزوج غنياً وذا مال ومكانة عالية في المجتمع أو تكون الزوجة من أسرة ثرية أو ما أشبه، ومع ذلك يريدون الخلاص من مشكلة العزوبة فكيف يمكن ذلك مع هذا الإعراض الصريح؟
هذا وكان الإمام الشيرازي (قدس سره) يحث الشباب دائماً على الزواج؛ فما من شاب كان يأتيه إلا ويسأله هل أنت متزوج أم لا؟
فإن لم يكن متزوجاً أمره بالزواج وقرأ عليه بعض الأحاديث المروية في هذا الباب.
اضافةتعليق
التعليقات