عند عصر يوم الاربعاء، زارتنا احدى جاراتنا في المجمع السكني، جلست تفرغ ما في جعبتها من اخبار، الجارة الفلانة ولدت، وتلك تزوج عليها زوجها، واخرى تركت بيتها واطفالها، لم تقطع كلامها لثانية فقط، لما تحمله من اخبار طازجة على حد قولها، فهي كعادتها تدور من "بيت شقاع لبيت رقاع"، تذكرني بمشاهد "ام زكي"، واخي الاكبر يقول عنها دائما: جاءت "ام زكي"..
قطعت ثرثرتها وجلبت لها قدح الشاي الساخن مع بعض من الحلوى، ما زالت مستمرة في الحديث عن ابنة الجيران وكيف تركها خطيبها لكثرة طلباتها، لسع الشاي لسانها لكثرة كلامها فقد نسيت ان الشاي ساخن، بيني وبين نفسي ابتسمت فلو نظرت الى البخار المتصاعد من القدح لعلمت به، كنت اجلس بقرب التلفاز، وعلى يساري تجلس امي، وجنبها "ام زكي" لتلتفت لي وتسألني: لماذا لم تتزوجي بعد، انظري بنات العمارة كلهم متزوجين ولم يبقَ غيركِ..
لا تظنين ان احدا سيطرق بابكِ بعد الثلاثين، من الان ابحثي عن رجل ولا تكوني عانسا، شعرت امي بالقلق من حديثها فهي الاخرى كانت تفكر في الامر منذ سنوات لكنها تكتمه في داخلها، وعندما افصحت الجارة، عرفت امي ان الامر خطير، ويجب ان تبحث لي عن رجل، وان كان لا يحمل شهادة، فالمهم عندها ان تتخلص من كابوس العنوسة، ولا يقال في بيتها عانس، لم اجب على سؤالها لأنها تعرف جيدا وجهة نظري في الزواج.
الجارة ترد على سؤالها: وما نفع الشهادة الجامعية في أيامنا هذه ان لم تكن البنت في بيت زوجها، اسمعي يا جارتي لدي عريس كامل المواصفات، بيت وسيارة ومحل يسترزق منه، وأنا قلت ان ابنتِك هذه تناسبه، لا تضيعيه من يدك "عريس لقطة" يكبرها بالعمر ومطلق، لا مانع فإبنتكِ ايضا ليست بصغيرة.
أمي اعجبها الامر، ترد على الجارة: شكرا لكِ يا جارتي لا يهم العمر فالرجل في افعاله وامواله.
الجارة: وانا قلت كذلك كم سيعيش سنة او سنتين وبعدها يموت ويترك لها الاموال، وافقي يا جارتي ولن تخسري شيئا.
وبقيت أمي والجارة يتفاصلان بالامر، أما أنا فقد كنت استمع فقط، وفي داخلي بركان يثور، فكلما نطقت الجارة "عانس" اكاد ان اقوم واطبق الارض عليها، وسرعان ما اتعوذ من الشيطان واردد قول: (حسبي الله ونعم الوكيل) في سري.
اكملت حديثها مع امي عند عتبة الباب كعادتها، وانا جالسة لا املك اي قرار، كاللبوة الجريحة، احتضنت سنيني الماضية التي قضيتها في طلب العلم والحصول على شهادة هكذا اليوم ينظر لي المجتمع بأني لم اقدم شيء مجرد امرأة فاتها قطار الزواج فأصبحت عانسا، وعليها ان ترضي الجميع بالموافقة على اي رجل، وسألت نفسي مستفسرة: هل إذا كنت كبيرة في العمر يحق لهم ان يختاروا لي زوجا، آهات وزفرات وحيرة تطفو على ملامحي، أعرف أنني لست جميلة وأنني لست فتاة العشرين، وخصلات الشيب بدأت تغير لون شعري الاسود، دوامة من التفكير اغوص فيها..
اغلقت أمي الباب واتجهت نحوي، واشارت نحو نافذة ابن الجيران ورددت: لا مجال للتفكير يا ابنتي، اتفقت مع الجارة ان يتقدم لخطبتكِ، وعليكِ القبول، اهز برأسي من دون اي نقاش او كلام، وبعد يوم شاق، خلدت الى ذلك السرير ارمي عليه همومي واغسله بدموعي، طرقت امي الباب بعدما سمعت صوت بكائي، ما الذي يبكيكِ يا ابنتي، الذي يبكيني يا امي اننا مجتمع يخاف من كلام الناس ولا يخاف من الله، يسمح للآخرين بالتدخل في حياتهم وان كان على حساب سعادتهم، نخاف من العيب ولا نخاف من الحرام..
امي، هل انا بنظرك من دون رجل ناقصة؟ ما ذنبي ان لم يتقدم لي ما يرضي الله ويرضيني، اغلب الذين تقدموا هم عاطلين عن العمل ويرغبون بموظفة من اجل نهاية كل شهر، لا يرغبون بزوجة، ما ذنبي ان تزوجت بنات الناس ولم اتزوج انا، اكفكف دموعي، امي اترضين ان اتزوج واعيش في جحيم فقط من اجل ترضى جارتنا ويرضى علينا الاهل، انظري حال ابنة خالي كيف تزوجت وتطلقت بعد مرور سنة ونصف، اترغبين ان اصبح مطلقة؟ من قال اني لا ارغب في ارتداء فستان الزفاف، ويشارك حياتي رجل بمعنى الكلمة، يصونني ويخاف الله فيني، من دون اي شرط او قيد..
امي هل تنظرين الى هذه الجريدة البيضاء التي كنتِ تلمعين فيها الزجاج، قرأت فيها ان نسبة العنوسة في الدول العربية كالتالي: "ففي مصر بدرجة كبيرة وحسب الإحصاءات الرسمية يوجد في مصر 13 ملايين شاب وفتاة تجاوزت أعمارهم 35 عامًا لم يتزوجوا، منهم 2.5 مليون شاب 10.5 مليون فتاة فوق سن الـ35، ومعدل العنوسة في مصر يمثل 17% من الفتيات اللاتي في عمر الزواج، ولكن هذه النسبة في تزايد مستمر وتختلف من محافظة لأخرى، فالمحافظات الحدودية النسبة فيها 30% لأن هذه المحافظات تحكمها عادات وتقاليد، أما مجتمع الحضر فالنسبة فيه 38% والوجه البحري 27.8%، كما أن نسبة العنوسة في الوجه القبلي هي الأقل حيث تصل إلى 25%. .
وفي سوريا تكشف الأرقام الرسمية المنشورة أن أكثر من 50% من الشبان السوريين الذين وصلوا إلى سن الزواج عازفون عن الزواج أو عجزوا عنه بسبب عدم قدرتهم المادية على ذلك وعدم توفر المسكن الملائم للزواج، أما في الكويت فإن نسبة العنوسة بين الفتيات الكويتيات تقترب من نسبة 30% حسب بعض الإحصاءات الرسمية؛ حيث بدأ الشباب الكويتي في العزوف عن الإقدام على الزواج؛ نظرًا للأعباء الاقتصادية الباهظة التي تترتب عليه، بينما وصلت نسبة الطلاق في الكويت إلى 33%. وفي الجزائر كشفت الأرقام الرسمية التي أعلنها الديوان الجزائري للإحصاء أن أكثر من 51% من نساء الجزائر الذين بلغوا سن الإنجاب يواجهن خطر العنوسة، وأن هناك أربعة ملايين فتاة لم يتزوجن رغم تجاوزهن الرابعة والثلاثين عامًا، موضحًا أن عدد العزاب بالجزائر تخطى 18 مليونًا من عدد السكان البالغ 30 مليون نسمة، وأن نسبة المطلقات بلغت 36.9%. .
وأكدت دراسة سعودية أن عدد الفتيات العوانس في المملكة مرشح للتزايد من مليون ونصف المليون فتاة حاليًا إلى نحو أربعة ملايين فتاة في السنوات الخمس المقبلة، وأشارت نتائج الدراسة إلى أن 18 ألف حالة طلاق وقعت العام 2009 مقابل 60 ألف عقد زواج، ما يشير إلى أن نسبة فشل الزواج تصل إلى 30%..
وجاء في أرقام لدائرة الإحصاءات العامة الأردنية نشرتها صحيفة (الرأي) أن نسبة الإناث اللاتي لم يسبق لهن الزواج شهدت ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بالأعوام السابقة، ففي عام 1995م كانت النسبة 3.9% من مجموع الأردنيات، وفي عام 2000 وصلت إلى 5.4%.
وتعد دائرة الإحصاءات أن سن العنوسة هو 35 فما فوق، على اعتبار أن معدل سن الزواج الأول للفتيات كان العام الفائت 26.3 عامًا، في حين ينظرون اجتماعيًّا للفتاة التي وصل عمرها إلى 30 عامًا ولم تتزوج على أنها أصبحت عانسًا، ورافق الزيادة في هذه النسبة ارتفاع في معدل سن الزواج الأول للفتيات ضمن السنوات نفسها، ففي عام 1995 كان المعدل للإناث 24.9 عامًا، وفي عام 2000 كان 25.9 عامًا، والعام الماضي وصل إلى 26.3 عامًا.
اما في العراق يا امي فقد احتل العراق المرتبة الثالثة في الوطن العربي بنسبة العنوسة بعد لبنان والامارات إذ بلغ عدد العانسات 70%، ويبلغ عدد الاناث في المجتمع العراقي 17.685 مليون وتقدر المنظمات الدولية أن العانس المرأة التي تجاوز عمرها 35 عاما .
لست انا الوحيدة يا امي، كثيرا من هنّ مثلي والسبب الوضع الاقتصادي وتفشي البطالة والهجرة والحرب والصراعات الداخلية والفارق التعليمي، مع هذا يا امي انا انتظر "عريس الهنا" عسى ان يأتي يوما من الايام، وان لم يأتِ فقد زارني في عالم الاحلام كثيرا.
اضافةتعليق
التعليقات