نعيش في عصر السرعة، حيث وفّرت علينا التكنولوجيا الحديثة الكثير من الوقت، وبفضل عباقرة الغرب استطعنا وبكبسة زر ان نصل الى شرق الارض وغربها، لتأتي الينا افواج المعلومات ونحن جالسين في بيوتنا، ولاننا شعوب خرجت من القمقم على حين غفلة، احببنا ان نواكب جزء من هذا التطور، ونتعلم القليل منه، فوقتنا ثمين والكثير من الانجازات تنتظرنا!.
لذلك وبسرعة (ساسوكي) اقتنينا كتاب: تعلّم الانكليزية في خمسة ايام!، وشاهدنا بحماس فلم يوتيوبي عن: تعلم السياقة وانتَ في بيتك!، وارسلنا ابناءنا الى الدروس الخصوصية المكثفة، تلك التي كتبت في اعلانها: (انجحك.. انجحك.. ولو قبل الامتحان بيوم)!، ودخلنا في دورة تنموية لمدة يومين وعنوانها: كيف تقفز الى القمة بثلاث خطوات! وأنشأنا صفحة فيس بوك ونبضات القلب واصدقاء الروح يتسارعون على عدد اللايكات والتعليقات!.
هذا في الجانب العلمي والثقافي، والعلم والطموح جيد، والحديث يقول: اطلبوا العلم ولو في الصين، والصين اتت الينا بذات نفسها.. ثم اتجهنا الى بطوننا، فعصافيرها تزقزق ولاتتحمل المزيد من الوقت، فالحياة كما يقال قطار لا ينتظر احدا، والفلاحين والتجار يلبون احتياجاتنا ويستثمرون العلم الحديث الذي يجعل الثمار تنضج بسرعة، والدجاجة تبيض بسرعة! وبأقل من ساعة يأتي الينا سوبر مان وبجعبته (الفست فود) والافضل ماكان بظرف دقائق فنصنع بانفسنا الاندومي!.
ولاننا شعوب تعتبر السياسة واخبارها مثل خبزها اليومي، فوصلتنا انباء بعض ساستنا الذين سرقوا ونهبوا (ع السريع)، فياليت بعض المحافظين بلطوا شارع (ع السريع) قبل ان ينفذوا بريشهم الى اقرب طائرة. والموت في بلادنا يخطف بالجملة في انفجار على السريع.
ما علينا، فحديث السياسة والموت ذو شجون، لنعزف على وتر اخر، هل علمتم بأننا من اكثر الشعوب عاطفية؟!، و(ما كذبنا خبر)، احببنا ان نجرب الحب السريع (من اول نظرة)، والزواج السريع، والاطفال يتوافدون الى الدنيا وبينهم اشهر، فلتتعب الأم مرة واحدة، والاخيرة من وصايا الجدات!، ولا اعتراض على ماسبق فهذا ورغم العجلة بعض الشيء، لكنه خير، وخير البر عاجله، أما الكارثة التي اصبحت في ايامنا هذه وهو الطلاق السريع، وابغض الحلال بات اسرع الحلال!.
كل تلك الامور التي ذكرناها لها اسباب يضيق عنها المقام، ولكن غالبها أمور شخصية وحالات فردية لاتؤذي سوى صاحبها، أما قضية الطلاق، فهي مشكلة قد تدمر مستقبل ابناء لاذنب لهم، وقد أصبح موضوع السرعة فيها يشكل ظاهرة قد تفشت بشكل غريب في المجتمع!.
ونظرة سريعة على المحاكم اليوم تثبت مانقول، فأروقتها تعج بقضايا طلاق لشباب لاتتعدى اعمارهم الثلاثين، وترى في يد الفتاة طفلا رضيعا! وبيد الرجل طفلا لم يُطفأ شمعته الخامسة بعد!، وعندما نتساءل عن الاسباب تصدمك اجوبتها..
تقول احداهن: ما دخل لقلبي!
واخر يقول: ما اتفقنا!
هذه في المحاكم، وأخرى على صفحات التواصل الاجتماعي، حيث العرض المجاني، وقد كتبت متزوجة حديثة على صفحتها الشخصية في شهر الخير: رمضان أحلى مع زوجي، لينزل زئبق الحب بعد ايام من العيد وتكتب: اللهم انتقم منه شر انتقام!.
والكثير الكثير من حالات الطلاق لاسباب تافهة منها مقارنة الزوج او الزوجة بأبطال وبطلات المسلسلات التي غزت بيوتنا وتهويل واقعنا بسبب اسلوب حياتهم..
احدى الهائمات باحدى شخصيات مسلسل تركي، تقول: تركت زوجي، لانه (قليل ذوق)، ليته يتعلم فنون الحب من بطلي المفضل، ذاك الذي يُغرق حبيبته بالهدايا والورود كلما تخاصما!.
واخر يقول: (نحن نسوانة هم نسوان؟!) ليت كل الفتيات يتعلمن كيف يكنّ مهندمات 24 على 24 مثل اولئك الفاتنات!.
وقد تكون احدى اسباب هذا الطلاق السريع هو الزواج السريع!، وهذا الزواج بات احدوثة تلوكها ألسنة (المتحضرين)، حيث يعزو البعض اسباب الطلاق الى سرعة تزويج الفتاة رغم صغر سنها من جهة، وتعجيل فترة العقد من جهة اخرى. ولكن الاسباب الحقيقية في الغالب غير ذلك.
فالنظرة لهذه النقطتين تكون ضبابية بعض الشيء، فالكثير من الفتيات المتزوجات بسن مبكرة قد كنّ واعيات ومؤهلات لبيت الزوجية، ومن تعجّل بالخطوبة والعقد والزواج قد يكون السبب المعرفة العميقة للشاب او الشابة لدى كلا العائلتين.
صحيح ان الاسلام يحثّ على التعجيل بتزويج الكفؤ، ولكن بشروط وأهمها التكافؤ بين الطرفين، ومعرفة شخصية وطباع الرجل او المرأة بعيدا عن اسم وسمعة العائلة، وهناك وقت أتاح الشرع لهما أن يتعرفا كل منهما على الاخر قبل الزواج، وهو فترة العقد وهذا حق مشروع، وإن حصل انفصال في هذا الوقت أفضل بكثير من حدوثه في مراحل متقدمة.
ولكن الاخطاء التي تقع ضمن نطاق هذين النقطيتين والتي يرتكبها الكثير من الاباء الجهلة، وقد شوّهوا من خلالها احكام ومبادئ الاسلام في الزواج واخذوا العادات والتقاليد بدلا منها، والاسلام لادخل له بهؤلاء النائمين في اقبية العرف!.
لنأتِ بمثال حي من صميم واقعنا، حيث الطلاق بسبب سوء الاختيار وقلّة السؤال عن الشاب او الشابة..
تقول احدى المتزوجات: اليوم الذي أتى به زوجي لخطبتي مع عائلته، لم أرَ منه سوى يديه! فلم أنظر لوجهه حياءا منه، ومن أخي عرفت أن شكله جيد، وبعد أيام تم العقد ومن ثم الزواج، وهي الان كما تقول راضية بقضاءها، فالرجل لابأس به.
لحسن الحظ (البطيخة طلعت حمرا) مع هذه الفتاة، وللأسف تظهر عند الكثير (بيضاء ومبزرة) بسبب الاستعجال السلبي وغلبة العاطفة.
وهذا ما حدث مع احداهن حيث تقول: تطلقت بعد أشهر من زواجي ولحسن الحظ لم أنجب منه أطفالا، وسبب زواجي منه أنه (عجبني وحبيته) ورأيته رجل ولا كل الرجال، ولكني غاليت في هذه النظرة، لان الحب ببساطة أعمى!، والعشق لم يشفع لنا في الاستمرار لاننا اختلفنا في الكثير من الامور.
وبعض العائلات الى الان تعطي بناتهم لأول خاطب، لأن الاسطورة تقول: أن أول نصيب أفضل نصيب!.
في بعض هذه الحالات قد يكون فيها جانب من حق ان حصل الطلاق سريعا، بسبب الخطأ والظلم الحاصل بحق احدهما، وقد يكون اختلافا جوهريا في المبادئ والثوابت، ولكن المرض الذي أصاب الناس هو الاسباب الواهنة في جعل احد الطرفين يدور على عقبيه بسهولة ويخرج من باب البيت متفضلا برأيه ومن دون مطرود، والابناء هنا كانوا فئران تجارب ليس إلا!!.
تشرأب الاعناق مع هذه المشكلة لحياة اجدادنا الذين خبزوا الصبر والحلم مع عجينة الايمان ونسجوا خيوطها باتقان مع كل تفاصيل حياتهم، رغم الخلافات التي كانت تحصل بطبيعة الحال إلا انهم أوجدوا اسبابا للاستمرار تغلب اسباب الانفصال، واستطاعوا تغيير بعض السلبيات التي استهلكت سنوات عديدة من حياتهم فالصبر مفتاح الفرج والنجاح والسعادة، فعندما نناقش العامل النفسي المسؤول عن هذه المشكلة نراه بوضوح في قلة الصبر، والانسحاب الفوري بسبب نوبة من نوبات اعتكار المزاج او الهفوات من الطرف المقابل، وسقف الطموح العالي، وطلب المثالية والكمال الذي لاوجود له عند احد.
نعم، مايعوزنا هو الصبر المتجذر في نفوس اجدادنا ودور محضر الخير المفقود في زماننا ولاسيما من الاقارب ففي ايامنا كلٌ يقول: ماشأني؟!
قد يقول قائل: (زمن أول غير)، وهذا ماعّلمه لنا أمير الاخلاق والتربية الامام علي (ع) حين قال: لاتقسروا أولادكم على عاداتكم، فإنهم مخلوقون لزمن غير زمانكم.
ولكن بلا شك من ثوابت الزواج أن تتحمل المسؤولية، أن تنضج فكريا، أن تصبر من دون الرضا بالتعاسة رفيقا بل بالتحمّل ومحاولة تغيير الطرف الاخر في سبيل ابناء قد يضيعوا بالطلاق..
فالزواج كما يقال ليس سلق بيضة ولا أكلة أندومي تُطبخ بسرعة وتنضج بسرعة وتُؤكل بسرعة!.
واخيرا لمحبي الاندومي، اثبتت الدراسات حديثا أن هذه الوجبة تحوي موادا مسرطنة، فابتعدوا عنها يرحمكم الله قبل ان يتفشّى المرض ويقتل فلذات أكبادكم. صدق من قال: إذا تعلمت الصبر فقد اجتزت نصف مشاكل الحياة.
اضافةتعليق
التعليقات