سجلّت صفحات التاريخ في الفترة الواقعة مابين أواخر خلافة الامام علي(ع) وأوائل سلطنة معاوية بن أبي سفيان ظهور عدّة عقائد تشعبّت بدورها الى فرق كثيرة، وكان من أهم أسباب بروز تلك العقائد على الساحة الاسلامية هو تخلّف المسلمون عن أمر الله وعن وصية الرسول (ص) في خلافة الامام علي وأبنائه من بعده، وكان من بين تلك المذاهب افكار وآراء أفرزتها تلك الاعتقادات الخطيرة وتبنّتها بعض الفرق الاسلامية ومنها مذهب المرجئة والذي يرى: تقديم الايمان على العمل ويقول بكفاية المعرفة والاعتقاد القلبي في الفوز بالجنّة من دون أن يضر به التقصير في الطاعة والعمل أو حتى تركه وإهماله.
وقد أكل الزمان وشرب على الكثير من تلك الاعتقادات التي ظهرت في تلك الفترة ومنها فكرة الارجاء، ومضى سجل التأريخ يكتب ويمحي وفوهة المدفعية على رأسه فالحاكم والسلطة تُملي عليه ماتقضيه المصلحة في تخليد أو تفنيد أفكار تلك المذاهب في كل فترة.
ضخ السم بالعسل في الهويّة الحسينية
ولأننا في خضم العولمة وزمن التكنولوجيا الحديثة وبمساعدة وسائل التواصل الاجتماعي والتي غدت فكرية وسياسية أيضاً ودعمتها توّفر الأجهزة الذكيّة، استطاع أعداء الاسلام ومناهضي التغيير الايجابي _وأـساسه قيم ومبادئ عاشوراء التي تدعو الى النهوض و مجابهة الظلم_ أن يسرّبوا أفكارهم الى عقول الكثير من الشباب، فحاولوا بشتّى الطرق محاربة فكر أهل البيت وعلى رأسها قضية عاشوراء والشعائر الحسينية التي ترتعد فرائصهم من رؤيتها، فهي تُعطي القوّة لأصحابها وتدعو الى قيم الحريّة وهم يريدون لنا الضعف والاستكانة والسكوت عن الحق.
وقد فشل الاستعمار فشلاً ذريعاً في توجيه الشباب لبعض الاعتقادات ومنها السلفية أو الوهابيّة، فصنعتهم كاسدة في مايتعلق بسقفهم الأعلى وهو بغض ومحاربة أهل البيت، ولله الحمد محبّة آل الرسول (ص) ثابتة كالجبال لم تهتز لرياحهم السموم..
لم نُصب بهذا الطاعون الذي أصاب بعض المذاهب فتوّجه أفراده الى هذا الفكر الدموي التكفيري، إلّا أنّ أعداءنا لم يستسلموا فلن يمسّوا الجوهر وهو المحبة الفطرية والمودة للأئمة الكرام، فراموا سبل أخرى وهي محاولاتهم لإبعادنا عنهم قدر الامكان وتهديم جسور التواصل معهم والتي تتمثل في إحياء أمرهم وبتعظيم الشعائر، فأعادوا أفكار قديمة حسبناها حديثة وقولبوها ونخروا عقول الشباب بها وحشدوا في سبيل ذلك وسائلهم المنتشرة وبطرق ذكيّة تُظهر الحضارة والثقافة وتُبطن العداوة.
لمَ البكاء على الحسين وبين الجموع جهاراً؟!
وما داعي الحضور الى مجالس العزاء واللطم ولبس السواد والحداد وتوزيع الطعام و و و و؟!
أليس الاعتقاد بمظلومية الحسين والمحبة الصادقة له والحزن القلبي والبكاء بيني وبين نفسي تكفي (ومن أحب قوماً حُشر معهم)؟!
ألسنا أفضل من بعض المنافقين الذين لم يتخلّقوا بأخلاق الحسين أصلاً، ويراؤون ويُظهرون التأثّر والحزن والحداد وهم يبغون المظاهر والسمعة الحسنة؟!
وغيرها الكثير من الاسئلة والاستفسارات التي يزرعوها في عقول وقلوب بعض الشباب _أنصاف المتعلمين_ لإبعادهم عن قضية الحسين ولاسيما الشعائر وزرعوا قبلاً مغالطات في قضية سماع الاغاني والشرب و الحجاب _فالحجاب القلبي أهم، كما ينشرون بين أوساط الفتيات اللاتي ابتلعن الطعم_ وقد نجحوا للأسف في ذلك وفي عقر دارنا ومن المفترض أننا في بلاد(اسلاميةّ متحفظّة)..
كيف نطرد الذباب عن وجه شبابنا؟!
تلك التساؤلات المطروحة في فكر بعض شبابنا مهمّة ولها بطبيعة الحال عدّة صيغ ووجوه، وللوقوف في وجه هذا الطوفان العرمرم ينبغي أن لانتعامل مع هذا الموضوع كذلك الصديق الذي أراد أن يطرد الذباب عن وجه صديقه فطرده بصخرة حطّمت وجهه!!
وهنا يجب التمييز بين مجموعتين وهي الجاهل أو حتى المسالم بأفكاره و(الذي يقول بحريّة فكره وهي أنه لايؤمن بالشعائر ولكن لا يكذبّها أو يحاربها)، وبين الاخر المحارب وهو أحد الادوات في تنفيذ تلك الافكار المسمومة وهي واسعة الاطراف طويلة الذيول، فشبابنا يحلّقون في عالم افتراضي يسهل اصطيادهم من قبل تلك الادوات..
وانّ الافكار والاسئلة تزداد ولا أحد يجيب عليها_ إلا ماندر_ وأهم من في المرمى، أولاً: الأهل والكثير منهم لا يرد إلا بالحوقلة والاسترجاع!!
وثانياً: المجتمع كأفراد ومؤسسات اعلامية وثقافية وجلّهم لايسعى إلا لجرّ النار الى قرصه، فلا يكون الهدف هو اثبات الحقيقة بإخلاص بل الانتصار الذاتي و اثبات انّ الحق معي فبمجرد أن تطرح هذه النقاشات يتّهم البعض الاخر بالضلال ويدخلون بذلك في جدالات لاطائل منها وشبابنا اليوم لاحسد، محبي الجدال طويلي النفس فيه..
انّ هذه الحالة_ ظهور الافكار المغلوطة وطريقة الرد عليها_ لا يصح ان نسكت عنها وان نرضى بها، فالله عزوجل يطلب من نبيّه أن يدعوهم بالحسنى: وجادلهم بالتي هي أحسن..
ويقول الفيلسوف نيتشه: كثيراً مانرفض فكر ما لمجرد ان النبرة التي قيلت بها تُثير النفور.
هذا كطريقة وأسلوب فكيف ببعض الكلمات التي نقذفها في وجه من يطرح تلك التساؤلات فنتهمه بالخروج عن المذهب والدين و و..
يجب أن يعلم المعنيون في رد تلك الشبهات المُثارة أنّ بعض اولئك الشباب ينكرون أشياء لم يحيطوا بها علماً!! ومداركهم لم تكتمل بعد..
كتبنا طافحة بالاحاديث والرويات التي تستثني قضية عاشوراء في الكثير من التساؤلات المشروعة فللحسين وشعائره وزيارته مفارقات لانجدها في معصوم اخر _فالتباكي وحتى الرياء في شعائر الحسين لها من الثواب الكثير_ فنستطيع أن نقارع الحجة بالحجة والدليل بالدليل وبالفضاء الواقعي والافتراضي، وقبل كل مناظرة يجب أن تكون لنا معهم نقطة التقاء واحترام فالبعض لديهم آراء فيها بعض الصحة فالسلوك الاخلاقي الذي يتّصف به سيد الشهداء من الأولى بنا أن نحذوا حذوه قبل ممارسة الشعائر وتعظيمها ولكن الشعائر أيضاً هي من ضمن العمل وبالطبع إنّ أساس الشعائر عقيدة والعكس غير صحيح، إلا انّ العقائد والايمان شيئ غير مرئي لنا نريد شيئ ظاهر يدل على الاتبّاع والايمان عملٌ كله، وإن الشعائر هي من حفظت العقيدة من الانحلال وهي التي حفظت القضية الحسينية بمبادئها وقيمها السامية.
اضافةتعليق
التعليقات