هبّت ريحٍ سوداء لا يُرى من شدّة عتمتها أي شيئ ، يتبعها غبار مضطرب ومخيف، لا يستطيع أحداً الوقوف أمامهُ..
وحبات رمل هائجة مذعورة تصطدم بصخور الصحراء الوعرة تارةً، وأخرى تأخذها الرياح كيفما تشاء..
كل شيئ بات مظلما، حتى الشمس فقدت السيطرة على توازنها وشعاع نورها، تشرق مرة وتبعث ضيائها ليدخل التفاؤل والأمل في القلوب والأرواح الباهتة، وأخرى تختبئ خلف السحب الغاضبة التي عكر صفوتها صوت الرعد الذي يدل على أن هنالك شيئ مبهم، جعل الكائنات تضطرب!.
جذبني ذلك الطائر الحزين الذي يرتفع إلى السماء ومن ثم يهبط إلى الأرض بقوة وهو يحمل شيئ ما في منقاره!.
ماذا يجري؟
ما الذي يحدث هنا؟
الجميع مذهول ومنزعج من حدوث شيئ مشؤوم لن أفهمه!
وقفتُ متحيرة أين أذهب ياتُرى؟ من يخُبرني بحقيقة ما يحصل؟
وإذا بي أسمع صوت ضعيف مختنق بحثتُ عنهُ وإذا بهِ هديل حمامة مكسور جنحها وتنزف جراحاتها..
ركضتُ برجلي إليها حملتها وأزحتُ الغبار المختلط بدمائها، وسقيتها قليلاً من الماء الذي في جعبتي وضمدت جراحها..
فوضعتها على الأرض بهدوء، وجرتُ بأذيال الحسرة والخيبة واليأس..
وتمتمتُ بقواميس الوحي والنبوة..
( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلمُ من الله ما لا تعلمون).
وإذا بالحمامة تنفض غبار عجزها وضعفها وآلامها وتحلق بنشاط وحيوية في قلب السماء،
وكأنها تقول لي أتبعيني لأريكِ سبب جزع الكون وحزن النباتات والجمادات وبكائهم!.
فهرولتُ بجنون خلف الحمامة..
أقوم مرّة وأسقط تارة أخرى..
ولم أستطع جمع أفكاري وعلامات الإستفهام التي نخرت رأسي؛ وتكاد أن تفجر عقلي
ما إن أنهيت الطريق إلّا وقد ذهلت من هول المنظر!.
هنا كانت الطامة الكبرى،
هنا المصيبة العظمى
هنا وقعت الواقعة
من تجرأ على هذا؟!
هل هو من الإنس أم من الجن أم من الحيوانات المفترسة؟!
إني أرى أربعة أقماراً سقطت وانتثرت على الأرض،
وأصبحت تراباً متلألأً كالنجوم في ليلةٍ ظلماء!
أرى كفرة فجرة هدموا ودمّروا أضرحة أولياء الله وأحبائه وهتكوا حرمتهم.
وسلبوا ونهبوا كل شيء فيه!
فأصبح فقط التراب يظلل لهم حرارة الشمس المحرقة..
وحمام البقيع الغرقد يغبطه على مكانته..
فيعفر وجنتيه بحباته الطاهرة
إني أغبطك أيها الحمام إنك تستطيع أن تعفّر وجنتيك بقبور ساداتك الأطهار، وتوسم ملامحك بحبات ذلك اللؤلؤ الترابي الذي يسطع منه نور الإمامة..
يالهُ من منظر رهيب..
هنيئاً لذلك الحمام يستطيع تقبيل تراب قبورهم الطاهرة
آه لتلك الأضرحة لطالما كانت بلسماً لجراح المحبين..
آه لتلك الأروقة لطالما كانت ملجئاً للهاربين..
آه لتلك المآذن لطالما كانت منبع الطمأنينة والسكينة في قلوب المحبين..
اللهم عجل للمنتقم ليأخذ الثأر ويعم القسط والعدل في الكائنات.. بحق محمد وآله الطاهرين..
اضافةتعليق
التعليقات