إنها مشكلة حياة عند كثيرين، الأصوات التي قد تبدو اعتيادية ويومية -مثل أصوات مضغ الطعام، والتنفس، وحفيف الملابس والأغطية، وقص الأظافر- تصيبهم بالجنون التام وتشتت انتباههم، وتجعلهم عاجزين عن التعاطي مع مهامهم اليومية، وقد تدفعهم إلى الهروب من المكان فوراً، مهما كانت الظروف.
ومع شيوع هذه المعاناة، فإن مصطلح "ميزوفونيا" الذي تم تقديمه حديثاً عام 2000 لا يبدو شائعاً، ولا يستطيع الأطباء تعريفه خللاً نفسياً أو عضوياً؛ وإنما يُفسر بأنه تفاعل سمعي-عاطفي، قد يعاني منه الأصحاء فسيولوجياً، والأسوياء نفسياً، ولا يمكن معرفة سبب وجوده بشكلٍ متزايد عند بعضهم.
وإن كان هذا الخلل يظهر أحياناً مصحوباً بأعراضٍ نفسيةٍ أخرى، مثل ازدواج الشخصية، والقلق، والاكتئاب، والوسواس القهري، وبعض أنواع الرهاب.
وتشير إحدى الإحصائيات، التي أُجريت على مجموعة من الطلبة، إلى أن أكثر من 20% ممن شملهم المسح ظهرت لديهم أعراض الميزوفونيا، وزادت هذه النسبة عند الإناث.
وبحسب الدراسة التي نُشرت في "the journal current biology"، أظهرت أشعة الرنين المغناطيسي التي أُجريت على دماغ الأشخاص الذين يعانون من تحسسٍ للأصوات، زيادة في نشاط القشرة الدماغية الأمامية -المنطقة التي تمثل العاطفة في الدماغ- عند تعرضهم لأصواتٍ مختلفة، سواء كانت مزعجة وحادة، مثل صراخ الأطفال، أو أصوات اعتيادية، مثل مضغ الطعام أو التنفس.
الملاحظ أن الأشخاص الذين يعانون من الميزوفونيا، قد يكونون أشخاصاً جيدي التحمل، ويبدون مرونةً تحت كل أنواع الضغط في حياتهم، وقد يتحملون أصوات أبواق السيارات والضوضاء، وصوت التلفاز عند الجيران، لكنهم يصابون بالجنون التام إذا كان أحدهم يمضغ علكةً، أو يرشف مشروبه أمامهم مثلاً!
الأمر الذي يفسره الاختصاصيون النفسيون بأنه "إدراكي" بالأساس؛ أو كيف يتلقى عقلنا هذه الأصوات، ولا علاقة له بجهازنا السمعي، الذي قد يتحمل تماماً صوت طرق مسمارٍ في الجدار، ولا يمكنه تحمل صوت تقليم الأظافر!
أكثر من مجرد ضيق!
يشير الدكتور سوكبيندر كومار، الذي ترأس فريق الدراسة، إلى أن الميزوفونيا تتجاوز مجرد الضيق أو الشعور بعدم الراحة عند سماع بعض الأصوات، مثل خشخشة الأكياس، أو احتكاك الأظافر بسطحٍ أملس، أو مضغ الطعام، أو رشف الماء، بل يتعدى ذلك، إلى الشعور بالغضب الشديد، وأحياناً صعوبة التنفس، بل الرغبة في مهاجمة الشخص الذي يُصدر مثل هذه الأصوات، أو الهروب من المكان فوراً.
لذا فإن الأشخاص الذين يعانون من الميزوفونيا عادةً ما يتجنبون أماكن الازدحام، مثل دور السينما، والمواصلات العامة، ويفضلون تناول الطعام وحدهم، والنوم في غرفٍ منفصلة عن شريك حياتهم، ويصل الأمر ببعضهم إلى الفشل في الاستمرار في أي وظيفة، لأن زميل العمل يرشف قهوته الصباحية بصوت مستفزٍ مثلاً!
كيف تتجاوز الأمر؟
إذا كنت واحداً ممن يعانون بشدة من تأثير الأصوات على حياتهم الاجتماعية، والأسرية، والعملية، فأنت حتماً تحتاج إلى المساعدة.
يلجأ الاختصاصيون النفسيون في مثل هذه الحالات، إلى تدريب الأشخاص على التكيف والتعامل مع مثل هذه الأصوات، خاصة إذا كانوا يتعرضون لها بشكل مستمر؛ بسبب أنها تَصدر من شريكٍ في السكن، أو أحد أفراد العائلة، أو زملاء العمل.
يمكن مواجهة الأمر في هذه الحالة بالحرص على وجود أصواتٍ أخرى محببة في الخلفية؛ لتشتت الانتباه عن أصوات المضغ التي تسبب الضيق، و استخدام سدادات الأذن، والسماعات خلال الوجود في العمل أو وسائل المواصلات.
يلجأ الأطباء أيضاً إلى ما يسمى بالعلاج الإدراكي-السلوكي، أو مناقشة المريض؛ لزيادة إدراكه بحقيقة مخاوفه وغضبه وضيقه من مثل هذه الأصوات، خاصة ما يتعلق بذكرياته عنها؛ إذ عادةً ما تظهر أعراض الميزوفونيا منذ الطفولة، وقد تكون متعلقةً بتجارب سلبيةٍ ما، اختبأت عميقاً داخل اللاوعي.
وفي أحيانٍ أخرى، قد يضطر المعالجون إلى استخدام العلاج الدوائي، خاصة إذا كان هذا الخلل مصحوباً بمشاكل نفسيةٍ أخرى، مثل القلق أو الاكتئاب.
اضافةتعليق
التعليقات