يزخر التاريخ الإنساني بالعديد من القصص المتعلقة بالولع بالطعام الذي ينبغي أن نتناوله، وذلك الذي ينبغي أن نتجنبه. فما الذي يحمله المستقبل لنا في هذا الإطار؟
"تبدين مذهلة - هل تتبعين حمية 'بانتينغ' الغذائية؟" هكذا كنا نسمع من البعض في فترة الستينيات، حينما كانت هناك حمية غذائية واحدة، تعرف باسم حمية "بانتينغ".
كان قد ابتكر تلك الحمية الإنجليزي ويليام بانتينغ، الذي كان يعمل متعهدا لدفن الموتى وصانعا للنعوش، وكان رجلا بدينا.
وكان من الواضح أن بانتينغ في وضع جيد يتيح له مراقبة عواقب الإفراط في تناول الطعام. وقد باتت تلك أول حمية غذائية تتمتع بشعبية كبيرة في ذلك الوقت.
وقد دعا بانتينغ إلى خفض استهلاك الكربوهيدرات النشوية والسكرية، وإلى أكل كمية محدودة من اللحوم يوميا.
ومنذ زمن بانتينغ، ارتفع عدد الحميات الغذائية التي لاقت رواجا بسرعة كبيرة. وكان هناك عدد كبير من الأطعمة العجيبة والحيل لإنقاص الوزن، وحلول المكون الغذائي الواحد، ولكن كم من هذه الحميات غيرت فعلا الطريقة التي نتناول بها الطعام؟
لماذا تتغير التوصيات دوما بما هو "جيد" وما هو "سيء" من الطعام؟
إنه أمر أساسي في طبيعة العلوم أن لا يوجد شيء "ثابت" إطلاقا، والشيء نفسه ينطبق على العلوم الغذائية. فما يعتبر شريرا وسيئا لنا في عام ما، يمكن أن يتبدل وضعه في العام التالي مع ظهور أبحاث جديدة، وفهم جديد.
هل تذكر عندما كان البيض يعتبر حمية غذائية قال عنها البعض إنها "من عمل الشيطان"، بسبب ما يحتوي عليه من الكولسترول؟ ثم في عام 1995، أظهرت دراسة أنه حتى تناول بيضتين يوميا لم يكن له أي آثار سلبية على فرص الإصابة بأمراض القلب.
فالبيض أيضا يحتوي على الكثير من العناصر الجيدة مثل البروتين والفيتامينات، والمعادن، لذا فهو الآن عاد إلى قائمة الطعام المفضل إلى حد كبير.
والزبدة أيضا أوصي بشدة بالابتعاد عنها في ثمانينيات القرن الماضي بسبب الخوف من الكولسترول والدهون المشبعة، وتراجعت شعبيتها لصالح السمن النباتي.
كان بانتينغ يعتقد أن استهلاك كميات كبيرة من الطعام يؤدي إلى الوفاة.
ثم بدأ الجميع يشعر بالقلق إزاء الدهون غير المشبعة في السمن النباتي التي هي من صنع الإنسان، ومنذ ذلك الحين أزيلت عن قائمة الطعام إلى حد كبير.
هل هناك شيء من قبيل الغذاء فائق الجودة؟
سيكون من الرائع لو تمكنا من أكل كل الأطعمة التي نحبها، ثم حل جميع المشاكل الناتجة عن ذلك بحفنة من العنب البري أو الجوز.
إلا إن روزماري ستانتون المشاركة في قمة "أفكار تغير العالم" - التي تنظمها بي بي سي فيوتشر في مدينة سيدني- تعتقد أن هوسنا بالأطعمة الممتازة يجعلنا نخفق تماما في فهم الأكل الصحي.
وتقول: "إن الولع بالأطعمة الممتازة يعد علامة أخرى على البحث الذي لا ينتهي عن وصفة سحرية لحل المشاكل. وهذا التفكير، الذي يتجاهل الطبيعة ذات العوامل المتعددة من المشاكل الصحية المرتبطة بالنظام الغذائي، ربما كان أكبر أسطورة".
وتتفق هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة مع هذا الرأي، ففي عام 2011 أصدرت تقريرا كاملا يفضح فكرة الغذاء المعجزة، ويشير التقرير إلى أن أفضل نهج هو اتباع نظام غذائي متوازن، وممارسة الرياضة بانتظام.
وماذا عن الأطعمة التي تعرف باسم "الأطعمة المدعمة" بالمواد الغذائية الصحية، و"المكملات الغذائية" الأخرى؟
ومنذ أن وضعنا في عقولنا أن بعض المواد الغذائية "جيدة" بالنسبة لنا، تعمل صناعة المواد الغذائية على إنتاج أطعمة تعطينا دفعة إضافية من تلك المغذيات.
كان يُنظر للبيض قديما على أنه طعام يضر أجسادنا أكثر مما ينفعها.
وقد تشمل هذه الأطعمة الخبز المدعم بحمض الفوليك أو النياسين، والملح المدعم باليود والسمن النباتي المضاف إليه ستيرول النبات أو فيتامين دي.
وتقف هذه الأطعمة على خط رفيع بين الغذاء والدواء، وإضافة المواد الغذائية لها يمكن أن تعني أن الشركة المصنعة قادرة على تقديم ادعاءات صحية حول فوائد منتجاتها، وهي الادعاءات التي لا يمكن لها بالضرورة أن تقدمها حول أي منتجات غير معالجة.
وترى ستانتون في ذلك مجرد عملية إلهاء مربحة عن الأطعمة الصحية الحقيقية: وهي الفاكهة والخضروات الطازجة.
والغريب في الأمر أن فكرة الغذاء الصناعي نسبت في القرن التاسع عشر إلى الكيميائي الفرنسي مرسلين بيرتلو، مما أدى إلى تكهنات بقدوم عهد من الأغذية الكيميائية في المستقبل.
وفي مقال نشر عام 1896، أخذ كاتب المقال أفكار بيرتلو إلى أبعد الحدود مجادلا بأن المواد الغذائية في شريحة لحم يمكن استيعابها في قرص صغير لأن "متعة إعداد المائدة منذ وقت طويل تستغرق الكثير من الوقت والميل لإعدادها لكل من المرأة والرجل".
اضافةتعليق
التعليقات