الساعة البيولوجية موجودة في جميع الكائنات الحية وتعمل عند البشر حسب جداول زمنية ضرورية للحياة وللصحة.
الساعة البيولوجية في الجسم آلية تتبع إيقاع الليل والنهار، وتتواصل على مدار الساعة، وهو ما يعرف أيضا باسم التواتر اليومي. تساعد هذه الساعة على تنظيم شعورنا باليقظة والنعاس عبر آلياتها المعقدة، التي تستجيب لإشارات ترسلها منطقة الدماغ التي تراقب بدورها الضوء المحيط بنا. وتعتمد كل خلية وعضو ونسيج في الجسم على الساعة البيولوجية؛ لذلك، يساعد النوم في الوقت المناسب لساعات كافية على إبقائها في حالة عمل. في المقابل، يتسبب التعرض الطويل للضوء المنبعث من الشاشات خاصة في الأوقات المتأخرة من الليل في العديد من المشاكل الصحية، مثل: الإصابة باختلالات على مستوى الخلايا المسؤولة عن تنظيم نمط النوم الذي يسبب بدوره العديد من الأمراض، على غرار الأرق والسمنة والاختلال المعرفي.
وعموما، جعلتنا التكنولوجيا المحمولة -مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية- نقضي وقتا أطول أمام الشاشة ليلاً ونهارا. وكشفت الأبحاث الحديثة أن خلايا العين الحساسة تجاه الضوء تقوم بإعادة ضبط الساعة البيولوجية للجسم عند تعرضها للضوء، مما يؤكد أن التعرض الطويل للضوء خلال ساعات الليل يمكن أن يعطل النوم ويضر الصحة.
ما هي الساعة البيولوجية؟
الساعة البيولوجية هي دورة تتكون من 24 ساعة، وهي التي تتأثر بالنور والظلام اللذان يلعبان دورًا رئيسًا في خلق الشعور بالنعاس أو اليقظة، إن الساعة البيولوجية عادةً ما تتحكم بوظائف الجسم الآتية:
- النوم واليقظة.
- درجة حرارة الجسم.
- التوازن في مستويات ونسب السوائل في الجسم.
- وظائف جسمانية أخرى، مثل: الشعور بالجوع.
كيف تعمل الساعة البيولوجية للجسم؟
إن من أهم الأسئلة والتساؤلات التي قد تراود العديد من الأفراد فيما يخص الساعة البيولوجية الخاصة بجسم الإنسان هي، كيف تعمل الساعة البيولوجية؟ وما هي المدخلات والمعايير الخاصة بعملها؟
إن هرمون الميلاتونين هو المسؤول الأساسي عن تنظيم ساعة الجسم البيولوجية طوال حياتنا، ويتم إنتاج هذا الهرمون في الغدة الصنوبرية المتواجدة في الدماغ، ويزداد إفرازه في ساعات الليل ومع اقتراب الصباح يتم إيقاف إنتاجه.
بالطبع هناك بعض الاختلافات الطبيعية في اليقظة اليومية أثناء النهار، فالقيلولة مثلًا ينام فيها الأشخاص خلال ساعات النهار بالتالي الساعة البيولوجية تختلف من شخص إلى اخر بحسب ممارساته ونمط حياته، ولكي تعمل الساعة البيولوجية بشكل صحيح يتطلب وجود 3 مدخلات، وهي:
1- الجينات: تساعد الجينات على التحكم في دورة 24 ساعة في الساعة البيولوجية، وعندما يفتقر الأشخاص أو الحيوانات إلى تلك الجينات فإن دورات النوم والاستيقاظ يمكن أن تختل.
2- الضوء: يحتاج الدماغ إلى إدخال ضوء الشمس من خلال العينين لإعادة ضبط ساعته البيولوجية يوميًا، وعندما يؤثر الإنسان على ساعته البيولوجية مثل أن يبقى في الظلمة بشكل مستمر فإنه يحدث خلل في دورة 24 ساعة.
3- درجات الحرارة: تؤثر درجة الحرارة على عمل هرمون الميلاتونين، ففي ساعات الليل تنخفض درجة حرارة الجسم مما يزيد من إفراز الهرمون.
الأمراض والساعة البيولوجية للجسم
عندما يحدث خلل في الساعة البيولوجية كطفرة أو حوادث متكرر فإن ذلك قد يزيد نسبة الإصابة بالأمراض الاتية:
- السكري: في حال حدوث طفرة في مستقبلات هرمون الميلاتونين المسؤول عن الساعة البيولوجية، فإن ذلك يزيد من احتمالية الإصابة بالسكري كون الجينات التي تتحكم في مستقبلات الميلاتونين تشترك في إفراز هرمون الأنسولين.
- أمراض القلب: إن الخلل الوراثي في عمل الساعة البيولوجية في الدماغ يؤثر أيضًا على النشاط الكهربائي في القلب، مما يزيد من مخاطر الإصابة بمشكلات في القلب.
- مرض الهوس الاكتئابي: إن حدوث خلل في الجينات المسؤولة عن نشاط الساعة البيولوجية قد تزيد من نسبة الإصابة بمرض الهوس الاكتئابي.
- اضطرابات طور النوم المتأخر: يعاني المصابون بهذا المرض من مشكلة ضبط ساعات النوم والاستيقاظ في الساعة البيولوجية، والتي يمكن أن تكون غير مريحة عند محاولة جدولة أنشطة مثل العمل والمدرسة.
- أمراض نفسية أخرى: ارتبطت الساعة البيولوجية والصحة النفسية بحالات المرض، مثل: الزهايمر، وباركنسون، وهنتنغتون (Huntington)، واضطراب طيف التوحد، حيث يجد الباحثون أن الساعة البيولوجية المتعطلة يمكن أن تسبب ضعف إدراكي معتدل يأتي مع التقدم في العمر.
أهمية كبيرة
يرى "رامز رضا مصطفى" -أستاذ طب المخ والأعصاب المساعد، واستشاري طب النوم بجامعة عين شمس- في تصريحات لـ"للعلم" أن "اضطراب الساعة البيولوجية الذي يحدث بشكل مؤقت (مع السهر مثلًا) قد لا يؤدي إلى آثار تذكر، لكن اضطرابها على نحوٍ مستمر ومزمن قد يرتبط بالإصابة بكثير من الأمراض العضوية والنفسية، مثل السمنة وارتفاع ضغط الدم والسكري ومرض ألزهايمر وحتى الخَرَف".
ويُرجع "مصطفى" أهمية الدراسة إلى أنها "الأولى التي يتم فيها إثبات وجود علاقة بين خلل الساعة البيولوجية وحدوث الأمراض النفسية، فضلًا عن تعامل الباحثين مع عينة كبيرة الحجم وقدر كبير من البيانات الدقيقة، ما ساعدهم على تحديد إيقاع الساعة البيولوجية"، على حد وصفه.
بدوره، يقول "طارق أسعد" -أستاذ الأمراض النفسية والعصبية، ومدير وحدة القياسات الفسيولوجية ومعمل النوم بمركز الطب النفسي بجامعة عين شمس- لـ"للعلم": "إن الدراسة تكشف أن تنظيم إيقاع الساعة البيولوجية فيما يخص عادات النوم قد يكون أحد المداخل المهمة لعلاج أمراض نفسية كالاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب؛ لأن إفراز الناقلات العصبية المسؤولة عن السعادة مثل الدوبامين والسيروتونين يرتبط بشكل وثيق بالساعة البيولوجية، وقد يكون من الصعب تغيير طبيعة الأشخاص الموجودة في الجينات. إذ هناك هرمونان رئيسيان يتحكمان في عملية النوم والاستيقاظ هما هرمون الميلاتونين (هرمون النوم الذي ينشط متأخرًا لدى الأشخاص الليليين) وهورمون الكورتيزول (هرمون الاستيقاظ الذي ينشط مبكرًا لدى الأشخاص النهاريين)، ويحدد وقت إفرازهما ما إذا كان الفرد ليليًّا أم نهاريًّا، لكن من الممكن إدارة إيقاع الساعة البيولوجية بشكل سليم"..
ما هي التعليمات لتعديل الساعة البيولوجية؟
ودرس العلماء 21 شخصا، ممن "يحبون السهر لوقت متأخر"، ولا يذهبون إلى النوم قبل الساعة 02:30 صباحا، ولا يستيقظون قبل الساعة 10:00 صباحا. وكانت تعليمات العلماء لهؤلاء هي:
- الاستيقاظ ما بين 2-3 ساعات أبكر عن المعتاد، والتعرض أكثر لضوء النهار الخارجي في الصباح.
- تناول وجبة الإفطار في أسرع وقت بعد الاستيقاظ.
- ممارسة تمارينات الرياضة في الصباح فقط.
- تناول وجبة الغداء في الوقت نفسه يوميا، وعدم تناول أي طعام بعد السابعة مساء.
- الابتعاد عن الكافيين بعد الساعة 15:00.
- عدم اللجوء إلى القيلولة بعد الساعة 16:00
- الذهاب إلى النوم ما بين 2-3 ساعات أبكر عن المعتاد، وتخفيض الأضواء في المساء.
- الحفاظ على وقت النوم والاستيقاظ نفسه يوميا.
وأظهرت النتائج، التي نشرت في دورية (طب النوم)، أن هؤلاء الأفراد مازالوا ينامون نفس عدد الساعات.
ولكنهم قالوا إن مستويات شعورهم بالأرق، والتوتر، والاكتئاب، أصبحت أقل، كما بينت الاختبارات تحسن مستويات استجاباتهم. وتقول برفيسورة ديبرا سكين، التي تعمل في جامعة ساري إن: "تأسيس روتين بسيط قد يساعد من يحبون السهر على تعديل ساعاتهم البيوبوجية، وتحسين صحتهم الجسمانية والنفسية".
وأضافت أن "قلة مستويات النوم، واختلال الساعة البيولوجية، قد يعرقل كثيرا من عمليات الجسم، ويعرضنا أكثر لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، والسرطان، والسكري".
وأحد أهم العناصر التي يستخدمها الجسم لضبط ساعته البيوبوجية مع الشمس، هو ضوء النهار، ولذلك ينصح الأطباء بتعريض الجسم أكثر للضوء خلال النهار، وإبعاده عنه في الليل.
وقد يؤدي عدم انتظام ساعات النوم وساعات الاستيقاظ إلى اختلال ساعة الجسم البيولوجية.
وربما تبدو الطرق التي استخدمها الباحثون وكأنها نصيحة بسيطة من أجل نوم صحي، ولكنها في الحقيقة تستخدم لمساعدة الناس في التحكم في ساعة الجسم البيولوجية. وما لم يكن يعرفه الباحثون هو كيفية استجابة محبي السهر لتعديل عادات نومهم.
ويقول دكتور أندرو باغشو، الذي يعمل في جامعة برمنغهام، لبي بي سي: "هناك أشياء بسيطة يستطيع فعلها أي شخص، ولها تأثير فعال، وهذا - بالنسبة إلي - أمر مدهش. كما أن أخذ عينة قليلة من السكان ومساعدتهم على الشعور بالتحسن بدون تدخل مرهق، أمر مهم جدا".
اضافةتعليق
التعليقات