في متاهة الحياة، ، تنتثر الحرارة والشرارة في كل لحظة، دون أن تكترث للجراح النابضة في قلبك. تندثر الأحلام في الرماد، وتتبدد الآمال في الهواء. تلك هي الحياة، تلقي بالتحديات والصعاب دون أن تأخذ في اعتبارها ألمك وأحزانك. ولكن في كل مرة تندثر فيها اللهب، تنبثق روحك القوية، تشعل الشمعة في ظلام اللحظات، وتثبت أنك قادر على تجاوز الصعاب وبناء حياة جديدة من الرماد.
من بين المقوّمات التي تجعلنا نستمر في مواجهة حياتنا في هذا العالم، هو التوكل على الله. إذا قررت أن تعيش وتستمر، فعليك أن تثق وتعتمد على الله، وتثق بأنه سيهتم بك ويرعاك. توكّل عليه واستمر في المضي قدمًا، ولا تستسلم للصعاب. تذكّر أن هناك رحمة تحيط بك، وأن هناك دعاءً سيصل إلى الله في خفاء، وسيظل يرافقك في رحلتك.
كم هي جميلة تلك الرحمة التي تحيط بك، إنها كالضمادة التي تداوي جروح حب الدنيا. إنها شفاء لذاتك المريضة. ما أجمل تلك الرحمة التي تحيط بك بكل تفاصيلها، وتجلب لك الهدوء والسكينة التي تملأ روحك. من خلال هذه المحن والتحديات، نتعلم أن التوكل والاعتماد على الله يجلب نتائجه العميقة لأرواحنا التائهة، حتى وإن شعرت بتواضعك وصغرك في عين نفسك، فإنك في عين الله لا تُهمل أبدًا.
إنه الكريم الذي أسعدك بلطفه، ولم يتركك وحيدًا تتخبط في أقدار هذه الحياة العابرة والمتقلبة. يراك ويعلم أنك تقاوم الحنين، وتصمد أمام الخذلان وتقاوم الحزن. فيؤنسك بالرحمة التي تتجلى لك بذلك السلام الداخلي لحنايا روحك المنهكة. فهو القريب الذي يعلم تقلبات روحك واضطرابها، يعلم تناقضك وصبرك في المحاولة والاستمرار. لكن الاصرار على التوكل سينقلك إلى مكان الهدوء الذي لا يضاهى.
اتجه بروحك المنكسرة إلى الجبار الذي يرمم ويصلح مابقي منك ويعيد لك استقامتك وقوتك العزيز الذي لا يضام ولا تهون عليه ابداً. اتكئ على رحمته الواسعة، فضمانها مؤكد. اجعلها تتغلغل في روحك لتنقلك إلى درجات الطمأنينة. ارفع برأسك الى السماء واذهب في رحلة التضرع والاستكانة و اشكو إلى الواحد القادر مرارة الأيام وخذلان الصديق والحبيب. وتذكر أنك سرعان ما ستعود قويًا، مجتمعًا لكل شتات تفاصيلك المبعثرة. ستشرق شمسًا تمحي الظلام وتجلب الفرح الذي ينسيك مرارة الأيام.
ومن هنا يجب علينا أن نعرف:
الفرق بين التفويض والتوكل والثقة.
هناك فرق بين التفويض والتوكل والثقة، وكل واحد منها يعتبر موضوعاً منفصلاً.
أما الفرق بين التوكل والتفويض فقد اعتبر بعض العلماء أن الفرق بينهما في عدة أمور:
1- التفويض أن لا يرى العبد في نفسه حولاً ولا قوة، ولا يجد أن له تصرفاً في شيء، ويرى أن الحق هو المتصرف في كل الأمور. وأما التوكل فهو أن يجعل الحق سبحانه قائماً مقامه في التصرف واجتلاب الخير والصلاح.
2- التفويض أوسع من التوكل، والتوكل ليس إلا شعبة منه، لأن التوكل يكون في المصالح فقط، والتفويض في الأمور كافة.
3- التوكل لا يكون إلا بعد وقوع سبب يستوجبه، مثل توكل النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه على الله في أن يحفظهم من المشركين، حينما قيل لهم: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾(آل عمران:173). وأما التفويض فيكون قبل وقوع السبب، كما جاء في الدعاء المروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "اللهم إني أسلمت نفسي إليك، وألجأت ظهري إليك، وفوضت أمري إليك".
ويمكن أن يكون بعد وقوع السبب، مثل تمثيل آل فرعون.
ويمكن المناقشة في الفارق الثاني، وهو اعتبار التوكل شعبة من التفويض، فلا التوكل من التفويض ولا التفويض من التوكل.
وكذلك بالنسبة للفارق الثلاث، فلا دليل على كون التوكل يكون بعد وقوع السبب، فالتوكل يصح قبل وقوع السبب أيضاً.
ويبقى الفارق الأول فقط يميز بين التفويض والتوكل. وما ورد في الرواية "فتوكل على الله بتفويض ذلك إليه" فيمكن القول بأنه لا توكل إلا مع رؤية تصرفه بنفسه، ولهذا يتخذ لنفسه وكيلاً في أمر من أموره الخاصة به، إلا أن الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم) أراد أن يرفع ذلك من مقام التوكل إلى مقام التفويض، وليفهمه أن الحق تعالى لا يقوم مقامه في التصرف، بل هو المتصرف في ملكه ومملكته.
وأما "الثقة" فهي غير التوكل والتفويض، كما يقول بعضهم "الثقة سواد عين التوكل ونقطة دائرة التفويض وسويداء قلب التسليم". أي أن المقامات الثلاثة لا تحصل من دون ثقة، بل إن روح تلك المقامات هي الثقة بالله تعالى، فما لم يثق العبد بالحق تعالى لا يمكن أن ينالها.
ومن هنا يظهر السر في قول الإمام الكاظم (عليه السلام) بعد التوكل والتفويض: "ثق به فيها وفي غيرها". صدق عليه السلام.
اضافةتعليق
التعليقات