ان الثقافة الاستهلاكية شديدة النجاح تجعلنا نريد المزيد والمزيد والمزيد وتقوم أشكال التسويق الكثيرة كلها على فكرة مفادها أن المزيد أحسن دائما لقد عشت سنوات كثيرة مقتنعًا بهذهِ الفكرة أجمع مزيدا من المال، وزرت مزيدا من البلدان، وعشت مزيدا من التجارب وكنت مع مزيد من النساء لكن المزيد ليس بالشيء الأفضل على الدوام بل أن العكس هو الصحيح في واقع الأمر وغالبا ما نكون اكثر سعادة بالأقل لا بالمزيد عندما تكون أمامنا فرص وخيارات كثيرة جدا فإننا نعاني ما يطلق عليه علماء النفس مفارقة الإختيار ومن حيث الأساس كلما ازدادت الخيارات المتوفرة لنا كلما صرنا أقل رضًا بالشيء الذي يقع اختيارنا عليه مهما يكن ذلك الشيء وهذا لأننا على بيننا من الخيارات الأخرى التي تَخَلينا عنها كلها فإذا كانت لديك إمكانية الإختيار بين مكانين للعيش ثم اخترت واحدا من هذين المكانين فمن المرجح أن تشعر بالثقة والراحة لأنك اتخذت الخيار الصحيح وسوف تكون راضيا عن قرارك ام ما إذا كنت قادرًا على الإختيار بين 28 مكانا للعيش ثم اخترت مكانا منها فإن مقارنة الإختيار تقول أن من المُرجح أن تمضي سنوات في الشك والعذاب ووضع قرارك موضع التساؤل ستسأل نفسك كثيرًا إن كنت قد اقدمت على الخيار الصحيح حقا وإن كان هذا الإختيار يزيد سعادتك حقا، ان هذا القلق وهذهِ الرغبة في اليقين وفي الوصول إلى الكمال وإلى النجاح ما يجعلك شخصا غير سعيد فماذا تفعل إذا كنت شخصًا مثلما كنت أنا، فسوف تحاول عدم إختيار أي شيء على الإطلاق ستحاول ابقاء خياراتك مفتوحة إلى أطول وقت ممكن وسوف تتجنب الإلتزام، مع إن الإستثمار عميقا في مكان واحد ام شخص واحد أو عمل واحد أو نشابه واحد يمكن ان يحرم من الخبرة الواسعة التي نحب أن تكون لدينا فإن الجري وراء مروحة واسعة من الخبرات يحرمنا فرصة عيش ما يقدمه لنا المضي عميقا في أي تجربة، هنالك تجارب لا يمكن المرور بها إلا عندما تعيش في المكان نفسه خمس سنوات أو عندما تكون مع الشخص نفسه أكثر من عشر سنوات أو عندما تعمل في المهنة نفسها أو المجال نفسه أكثر من نصف عمرك أنا الآن في الثلاثينيات من عمري وأنا قادر أخيرًا على إدراك أن الإلتزام يتيح لي بطريقته الخاصة كثرة وافرة من الفرص والتجارب التي لم يكن ممكن أن تتوفر لي من غير وجود ه، وذلك أينما ذهبت ومهما فعلت.
عندما يسعى المرء إلى تشكيلة واسعة من التجارب وخبرات فإن هنالك عائدات متناقصة مع كل مغامرة جديدة ومع كل شيء جديد أو شخص جديد إذا كنت لم تغادر بلدك الأصلي قبل الآن ابدا فإن البلد الأول الذي ستزوره يحرض فيك تحولا كبيرا في النظر إلى العالم لأن قاعدة التجارب التي لديك محدودة كثيرا وأما عندما تزور عشرين بلدا فان البلد الحادي والعشرين لا يضيف إليك الكثير وعندما تزور 50 بلدا فان البلد الحادي والخمسين لا يكاد يضيف إليك شيئا.
ينطبق الأمر نفسه على الممتلكات المادية والمال والهويات والوظائف والأصدقاء وعلى الشركات العاطفيين والجنسيين أيضا نجد هنا كل القيم السطحية العرجاء التي يختارها الناس لأنفسهم كلما ازداد أمرك كلما اكتسبت تجارب أكثر وكلما صار أثر كل تجربة جديدة عليك أقل من ذي قبل كانت الإثارة كبيرة جدا.
وعلى مستوى الشخصية خلال السنوات القليلة الماضية هو أنني صرت قادمة عن انفتاح الإلتزام لقد اخترت رفض كل شيء بإستثناء أفضل أشخاص والتجارب والقيم في حياتي وضعت نهاية لمشاريعي كلها وقررت التركيز على الكتابة ومنذ ذلك الوقت صار عملي على الإنترنت أكثر شعبيا مما كنت أتخيله. ممكن إلتزمت إلتزاما بعيد المدى بالعلاقة مع امرأة واحدة والمفاجأة أنني وجدتُ هذا أكثر مردودًا بالنسبة إليّ من كل ما عشته في مغامرات ولقاءات وعلاقات. أستمر فترة قصيرة جدا إلتزمت بالعيش في مكان واحد فكان المردود الإجتماعي مضاعفة من خلال حفنة من الصداقات الحقيقية الصحيحة وذات المعنى.
كان ما اكتشفتهُ شيئًا مخالفًا تمام المخالفة للحدس المعتاد: أن في الإلتزام قدر حقيقي من الحرية ومن الشعور بالتحرر. لقد وجدت فرصًا أكبر، وأكثر أهمية، نتيجة رفض البدائل الأخرى لصالح ما اخترت أن أجعله مهمًا في حياتي.
يمنحك الإلتزام حرية. لأنك تكف عن التشتت والتلهي بما هو غير هام وبما هو تافه.
يمنحك الإلتزام حرية لأنه يجمع إنتباهك وتركيزك فيصبهما في الإتجاه الأكثر فعالية في جعلك سعيدًا معافى. كما أن الإلتزام يجعل إتخاذ القرار أكثر سهولة ويُزيل أي خوف من الوقوع بالخطأ، وذلك لمعرفتك إنما لديك منذ الآن جيد تمامًا، فإن الإلتزام يسمح لك بالتركيز الدقيق على حفنة من الأهداف ذات الاهمية الكبيرة ثم بتحقيق قدر من النجاح أكبر مما يمكن أن تحققه بأي طريقة أخرى وعلى هذا النحو، فإن رفض البدائل يحررنا... رفض كل ما هو غير منسجم مع أكثر قيمنا أهمية ومع المقاييس التي اختبرناها.. إنه رفض الجري الدائم وراء الاتساع من غير عمق.
بالتأكيد، إن التجارب الواسعة أمر مرغوب فيه، بل هو ضروري عندما تكون شابًا. وهذا لأن عليك أن تخرج إلى العالم وتكتشف بنفسك ما يبدو لك أنهُ يستحق أن تستثمر حياتك فيه لكن العمق هو حيث يكون الذهب مدفونا، عليك أن تلتزم بشيء ما وأن تحفر عميقًا حتى تصل إلى ذلك الذهب. هذا صحيح في العمل، وفي العلاقات، وفي بناء حياة جيدة لنفسك... إنه صحيح في كل شيء.
مقتبس من كتاب {فن اللامبالاة}ل_مارك مانسون..
اضافةتعليق
التعليقات