هنالك من يعيش في هذه الحياة على مضض، هؤلاء اموات بهيئة احياء، يطفئ هذا المرض النور في حياتهم، فيبقون في ظلام دامس، كل شيء من حولهم لايعنيهم وكل الملذات باهتة في اعينهم، فطوال اليوم يبقون في صراع مع ذاتهم والمرض، يغفون على امل الخلاص او الموت، انهم المصابون بمرض الوسواس القهري!.
صرنا نلاحظ هذا المرض بصورة اكبر مما كانت عليه وازداد عدد المصابين فيه من كل الاعمار والطبقات، ان ماهية افعال وتصرفات المريض تترجم على انها أعمال عقليّة واعية، وسلوكيات متكررة جبريّة، استجابة لأفكار وسواسيّة، لتخفيف أو منع القلق والإزعاج الناتج عن تلك الأفكار، ولا يستطيع المريض مقاومتها، وهي تستحوذ عليه لفترة طويلة، وهو غير راضٍ عنها ولا يحبها، خاصة وهو لا يشعر بثمرة من وراء تكرارها، لكنه مقهور على استمرار عملها والقيام بها.
صور واعراض الوسواس القهري:
ومن ابرزها:
1- اجتناب الأشياء والأمور والتصرفات، وأكثر صور هذا الاجتناب يتجلّى في تجنب القذارات، ويلحظ ذلك في الأغسال المتكررة وهذا يعيق المرء عن أعماله ويبعده عن سيره التكاملي.
2 - التكرار: حيث يكرِّر المصاب عملاً عبثيًا وغير مثمر، حيث يشعر بأن هناك قوة داخليّة تجبره على القيام بهذا العمل، ولا يمكنه مقاومتها، وهذا التكرار يكون نتيجة لاضطرابه حيث يمنحه الهدوء والسكينة.
3- الدّقّة المفرطة: يسعى المصاب إلى القيام بكل شيء على أساس ترتيب ونظام صارمين، ولا يكلّ ولا يملّ من هذه الحالة.
4- الإجبار: يشعر المصاب بأنه ملزم بالقيام بجميع أعماله بشكل آليّ، ويزداد لديه هذا الشعور باطراد، إلى درجة يهيمن على جميع أعماله وتصرفاته، ويعرِّض حياته الخاصة والاجتماعيّة للخطر.
5- الشعور بالوصول إلى طريق مسدود: يشعر المصاب أحيانًا بأنه لم يعد قادرًا على حلّ مسألة ما أو السيطرة عليها بأي حال من الأحوال، فيعمد إلى إشغال نفسه بأمر ما، ويبقى يكرره للخروج من هذا المأزق.
6- العناد والتعنت: يلجأ أحيانًا إلى القيام بتصرفات معقدة ومصحوبة بالعناد والتعنّت من أجل الحدّ من اضطرابه وتوتره النفسي، وأحيانًا يصل به الأمر إلى إيذاء نفسه، فإذا لم يؤذها ولم يعاقبها لا يقر له قرار ولا يهدأ له بال.
7- الخوف: ومن الأعراض المهمة للوسواس الخوف الكاذب الذي لا أساس له في الواقع الخارجي، حيث ينشأ نتيجة الوسوسة النفسيّة التي تثير مخاوفه من حصول حدث معين.
• الخوف من التلوث: فيتجنب التَّماس مع الأشياء حيث يؤدي هذا الخوف إلى اضطراب المصاب بشدة.
• الخوف من الموت.
• الخوف من التغوط: لئلا يتعرض للنجاسة أو القذارة، مما يؤدّي إلى اختلال عمليّة التغوّط، وبالتالي إلى حدوث أعراض مرضيّة في الجهاز الهضمي.
• الخوف من المكان المغلق: كتواجده في المصعد، فنراه يفتح الباب بعد غلقه مرارًا بشكل يدعو إلى السخريّة.
8- التردد: من صور الوسواس أيضًا وعدم الجزم في الأمور، حيث يشعر المصاب بأنه غير قادر على اتخاذ قرار بشكل جيد، ومن الممكن أن يُقدِم على أمر ما ويرفضه في آنٍ واحد، كأن يصدق ولا يصدق، وهل يؤدي هذا العمل أم لا.
9- الشك المرضي حيث يصل من يُعاني من اضطراب الوسواس القهري إلى أبعاد لامعقولة في شكوكه كالشك في العبادة، فعندما يقوم للصلاة مثلاً يأتي بالإقامة ويكبِّر تكبيرة الإحرام، وبعدها يشكّ: هل تلفظ بالتكبيرة على نحو صحيح أم لا؟ هل صلَّى ركعتين أو ثلاثًا أو خمسًا؟ وهل كانت نيّة الاقتداء بالجماعة صحيحة أم لا؟ وهكذا.
هذه الحالة من التردد والشك تسيطر عليه إلى الحدّ الذي يبقى أحيانًا عند النيّة، بينما يكون إمام الجماعة قد هوى إلى الركوع أو السجود، وهكذا يسيطر الشك على جميع جوانب حياته العباديّة وغيرها بشكل كامل.
فالمصليّ عندما يتعرض للوسواس، فلا يجوز له قطع صلاته، بل لا يعتني بالوسوسة مطلقًا، وإن كان بعض تلك الوساوس تعود إلى الشيطان، فإن هذا الأسلوب يفيد حتى في بعض حالات الوسواس القهريّ، بل حتى كثرة الشك اعتبرها الفقهاء سببًا كافيًا لعدم الاعتناء بالشك وإن لم تصل إلى حد الوسوسة، ولعل هذا الأمر يكون واقيًا للمرء عن الوصول إلى حالة الوسوسة.
وفي هذا الصدد ننقل رواية المرحوم ثقة الإسلام الكليني (ره) في الجزء الأول من كتاب أصول الكافي في باب العقل والجهل ينقل ما يلي:
ان شخصاً جاء لزيارة الإمام الصادق سلام الله عليه. وامتدح عقل أحد الأشخاص، وضمن الإطراء قال: يا بن رسول الله انه وسواسي في الوضوء والصلاة. فقال الإمام: وأي عاقل هذا الذي يتبع الشيطان، وتبعيته للشيطان إلى درجة لو سئل عن فعله هل هو فعل عقلائي أم شيطاني لأجاب بانه شيطاني.
مسببات المرض
وتعود الى:
1. السيروتونين: وهو احد النواقل العصبية في الدماغ البشري، وهو مادة كيمائية ضرورية لعمل الدماغ، وفي حال كانت نسبة هذه المادة اقل من المعدل، فقد يتسبب ذلك في العديد من الاضطرابات، ومن هذا النوع من الاضطراب السلوكي (الوسواس).
2. اسباب وراثية: وهي اسباب محل الدراسة الان.
3. الاسباب البيئية والمشاكل الاجتماعية، فقد اشارت بعض الدراسات الى ارتباط المرض ببعض المشاكل التي ترافق المريض كالقلق والاكتئاب الشديد .
ولكن على المريض والمحيطين به ان يعلموا انهم يستطيعون التخلص منه.
علاج الوسواس القهري :
صحيح ان سبل التطرق الى وسائل علاج هذا المرض او التخلص من الوسواس القهري ليست بالامر البسيط والسهل، خاصة انه من الامراض التي تتطلب فترات علاج طويلة وقد تصل الى الخمس، الا ان سبل علاجه تتلخص بثلاث طرق رئيسية:
1. العلاج الدوائي: يتم استخدام العديد من الادوية في العادة لمعالجة مثل هذا المرض، وتستخدم كثيرا في مثل هذه الحالات الادوية المضادة للاكتئاب، وفي الاساس ان الية عمل هذه الادوية هي رفع نسبة الناقل العصبي السيروتونين.
2. العلاج النفسي والبيئي: وهي البحث في الاسباب التي ادت الى الوصول بالمرض الى هذه الدرجة عند المريض، ومحاولة تفسيرها، والحديث معه بخصوصها، وهذا النوع من العلاجات قد يتطلب في بعض الاحيان تغيير المكان، او العمل، والوصول بالمريض لحالة من السعادة والتي تشغله عن التفكير بهذه الوساوس.
وتوعية الأسرة بسلوك ابنها المريض بالوسواس القهري وطرق التعامل معه، والعمل على تكاتف الجهود، وإيجاد بيئة اجتماعيّة مناسبة يعيش فيها.
3ـ العلاج السلوكي: في العلاج السلوكي يقوم المعالج بأداء السلوك الذي يتجنبه المريض ويخاف منه، كنوعٍ من إعطاء نموذج للمريض، ومن الممكن أن يعرِّض المريض للمثيرات التي تستدعي منه القيام بطقوسه القهريّة، ثم يمنع المريض عن ممارسة تلك الطقوس، وهذا العلاج يسبِّب في بدايته الكثير من الضيق والألم والتوتر، إلا أنه بعد فترة من الإصرار على مقاومة الرغبة في أداء الطقوس القهريّة والامتناع عنها يقل الضيق وينحسر تدريجيًا إلى أن ينتهي.
بقي ان نعرف ان هنالك فرق بين مرض الوسواس القهري والشخصيّة الوسواسيّة!
من يتصف بالشخصيّة الوسواسيّة قلما يشعر بالمعاناة، ونادرًا ما يطلب العون، حتى أنه لا يدري أن هناك مشكلة إلا إذا تمَّ تنبيهه من قبل صديق أو قريب ممن يهتمون لأمره ويلاحظون سلوكه الجامد أو التحفظ والبرود.
أما في حالة المرض فتصل الوساوس إلى حد الاضطراب في الحياة اليوميّة الاجتماعيّة، حيث تؤدّي إلى العزلة والتفرغ لممارسة الطقوس الوسواسيّة.
اضافةتعليق
التعليقات