زوج الرسول وأم البتول "أم المؤمنين"، خديجة بنت خويلد (صلوات الله وسلامه عليها) سيدةٌ نبيلة جليلةٌ صالحة طاهرة مُطهرة، أول النساء إيمانًا وتصديقًا وولاءً بالله تعالى وبنبيه محمد (صلى الله عليه وآله) وبرسالته المباركة، وأوَّلهن إقرارًا وتسليمًا بولاية وإمامة وصيَّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة المعصومين من بعده، وكان ذلك قبل البعثة وقبل بيعة وولاية غَدير خم .. مقامٌ عظيمٌ لا يظفر به إلَّا النُجباء ..
عَاشت أم الزَّهراء (صلوتُ الله وسلامه عليهما) منعمة بحب وودِ أشرفِ الأنبياء والمرسلين محمد (صلى الله عليه وآله، مدة لا تقل عن أربعة وعشرين سنة.. لم تُشاركها فيه قرينة أخرى، حتى التحقت إلى الخلد وإلى الرفيق الأعلى.. بقي ذكرها وتمجيدها متواصلًا مستمرًا على لسان حبيبها المصطفى وأهل بيته الأطهار (صلوات الله وسلامه عليهم)، ونالت به سعادة الدارين ونعيمها.
كما اصطفيت (صلوات الله وسلامه عليها) لأن تكون أمًا لفاطمة أعظم سيدة مُقَدَّسة صديقة حوراء إنسية خُلقت من ثمار الجنة، شرفت خير نساء الأرض والسماء بمباشرة واستقبال ولادتها .. كما صيرت لأن تكون وعاءً للإمامة بتصريح من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجعلت بِنوتها لإحدى عشر معصومًا أحد الدلائل على اصطفاء إمامتهم (صلوات الله وسلامه عليهم) كما هو موضح في زيارات المعصومين (السلام عليك يابن رسول الله السلام عليك يابن علي المرتضى السلام عليك يابن فاطمة الزهراء السلام عليك يابن خديجة الكبرى)، وكذلك في آيات الذكر الحكيم: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ ..}/ و{ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ۗ ..} فكم لك من مقام مبجّل يا أم المؤمنين خديجة.
وامتدحها الله عزّ وجلّ في قرآنه المجيد وأثنى على علو مقامها وعظمة منزلتها، وعلى ما قدمته من فعل وجهاد طويل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سبيل نشر وإعلاء الدين والإسلام، كما أفادت إليه تلك الآيات الكريمة {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى، وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}6-7-8 الضحى، هذا فضلًا عن دور ورعاية سيد البطحاء أبو طالب وسيف ابنه أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليهم)، الذين لولاهم لما بقيت لهذا الدين من باقية. فحينما يمتدح القرآن أشخاصًا يحفزنا ويرشدنا بالصلة والعلاقة والارتباط بهم، فأين نحن والارتباط بأمنا السيدة خديجة (صلوات الله وسلامه عليها)!، فأي جفاء وقطيعة هذه في حقها!
وأشادت نصوص وبيانات الفريقين بعظمة شأنها في يوم القيامة ويوم الحشر فهي ولية حساب فيه تطلّع على أعمال العباد، كما تفيده الآيات الكريمة { ِمنَ المُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا } سورة الأحزاب23 و { وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ} 46 الأعراف / فكلمة "رجالٌ" في اللغة لا تعني الذكورة إنما تعني القوة و الثبات والاستقامة، ومن مصاديقها عند الفريقين هم أئمة أهل البيت وفاطمة وخديجة وزينب وحمزة وجعفر وو.. رزقنا الله تعالى شفاعتهم ورضاهم في ذلك اليوم.
كما شُرّفت (صلوات الله وسلامه عليها) دون غيرها من نساء النبي بسلامٍ خاص من الله تعالى، ونالت أعظم وأقدس لقب وكنية وهي "أم المؤمنين خديجة"، واجتبيت بمنزلة أفضل وأعظم نساء أهل الجنة، بتصريح من رسول الله (صلى الله عليه وآله): (نساء الجنة أربعة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران، وآسية بنتُ مزاحم امرأة فرعون..)، عِوضًا عَمَّا تَجرَّعته مِن ظلم واستبداد وتعسف من جهلاء قريش وشيوخها، الذين أشهروا كفرهم وتمردهم وانقلابهم عليها وعلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى أخيه ووصيه أمير المومنين علي بن أبي طالب منذ بدايات وأوائل البعثة الشريفة.
إلّا أنه بقيت هناك الكثير الكثير من تلك السيرة العطرة لتلك المرأة المؤمنة الشجاعة المجاهدة الصبورة مخفية مستترة بين ثنايا وسطور الكتب، تلاعبت فيها ولازالت مشاغبات أقلام وإعلام المغرضين كيفما شاءت، ودلست حولها ادعاءات ومزاعم كثيرة غير لائقة بمكانتها ومنزلتها (صلوات الله وسلامه عليها)، لأجل تلميع وصقل شخصيات أخرى ليس لها معشار عشر ما لسيدتنا وأمنا خديجة. ونحن في هجوع وسبات وغفلة.. فأي تقصير وإجحاف ذلك في حقها.
عاشت بأبي وأمي بين قومها وعشيرتها غريبة وماتت غريبة (صلوات الله وسلامه عليها)، ولازالت بيننا مهضومة مظلومة غريبة إلى أن نجدّ ونجتهد ونثابر على نصرتها وبيان مظلوميتها.
اضافةتعليق
التعليقات